للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالقصيدة تبدأ بذلك التقليد الجاهلي من بكاء الأطلال، ذلك التقليد الذي لا نجده في واحدة من قصائد الفتوح على الإطلاق، ثم يثني الشاعر بالغزل بمن تُدعى "عمرة" غزلًا حسيًّا محضًا، يتحدث فيه عن طعم مذاقها، ويشبهه بمذاق الخمر على المسك والكافور والريحان، أو الشهد، وينتقل من فمها إلى عينيها، إلى جيدها.

وينتقل الشاعر بعد ذلك إلى ما كان من أيام الحرب في الجاهلية ذات يوم بين كندة وزبيد فيقول:

ولقد تعارفت الضباب وجعفر ... وبنو أبي بكر بنو الهصان

سبيا على القعدات تخفق فوقهم ... رايات أبيض كالفنيق هجان

والأشعث الكندي حين سما لنا ... من حضرموت مجنب الذكران

قاد الجياد على وجاها شذبا ... قب البطون نواحل الأبدان

حتى إذا أسرى وأوب دوننا ... من حضرموت إلى قضيب يمان

أضحى وقد كانت عليه بلادنا ... محفوفة كحضيرة البستان

فدعا فسومها وأيقن أنه ... لا شك يوم تسالف وطعان

لما رأى الجمع المصبح خيله ... مبثوثة ككواسر العقبان

فزعوا إلى الحصن المذاكي عندهم ... وسط البيوت يردن في الأرسان

خيل مربطة على أعلافها ... يقفين دون الحي بالألبان

وسعت نساؤهم بكل مفاضة ... جدلاء سابغة وبالأبدان

فقذفهن على كهول سادة ... وعلى شرامخة من الشبان

حتى إذا خفت الدعاء وصدعت ... قتلى كمنقعر من الغلان

نشدوا البقية وافتدوا من وقعنا ... بالركض في الأدغال والقيعان

واستسلموا بعد القتال وإنما ... يترقبون ترقب الحملان

فأصيب في تسعين من أشرافهم ... أسرى مصفدة إلى الأذقان

فشتا وقاظ رئيس كندة عندنا ... في غير منقصة وغير هوان١


١ ذيل الأمالي ج١، ص١٤٥.

<<  <   >  >>