للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه مقدرة مذهلة في الوصف القصصي، والسرد البارع، وفي صورة حركية، ترسم التفصيلات الدقيقة في براعة تأخذ بالألباب، وتجعلنا نعتبره نواة صالحة للشعر الملحمي، الذي لم يتطور على مر العصور.

فقد بدأ بتصوير هذا التحالف بين الأعداء واتفاقهم، وكيف استقلوا تخفق فوق رءوسهم الرايات، وقد تجنب رئيسهم بالعلن، وسار متخفيًا، حتى أنهكوا جيادهم من طول السرى والتأويب، من حضرموت إلى ديار الشاعر التي أحاطت بهم من كل جانب.

وهنا يدرك رئيس الكندة أن اليوم ظلم، فيبث خيله في كل مكان، ويفتح أهل الحلي أعينهم على هذا المشهد، فيهرعون إلى جيادهم المتأهبة دائمًا، يعينهم نساؤهم في اتخاذ أهبتهم، ويهبن بهن أن يتولوا أمر هؤلاء المغيرين، وينشب القتال، فتفعل السيوف فعلها، إلى أن يخفت صوت الفرسان، وتتكشف المعركة عن قتلى كثيرين، غير من فر وافتدى نفسه بالركض بين الأدغال، وغير من أسر من الأشراف الذين بلغ عددهم التسعين، صفدوا حتى أذقانهم بالسلاسل، وعلى رأسهم رئيسهم الذي قضى الصيف والشتاء أسيرًا في ديار الشاعر، وإن لاقى من التكريم والإعزاز ما يشهد برفعة شأنهم.

وبعد ذلك نجد أبياتًا عن القادسية وبلاء الشاعر وقومه فيها، تقول:

والقادسية حين زاحم رستم ... كنا الحماة بهن كالأشطان

الضاربين بكل أبيض مخذم ... والطاعنين مجامع الأضغان

ومضى ربيع بالجنود مشرقًا ... ينوي الجهاد وطاعة الرحمن

حتى استباح قرى السواد وفارس ... والسهل والأجبال من مكران١

ولسنا نعرف بحق من هو ربيع الذي يشير إليه، فليس بين قواد المسلمين الذين استباحوا قرى السواد وفارس ومكران من يُدعى بهذا الاسم، ولكننا نفضل رواية أخرى للبيتين الأخيرين، على هذا النمط الذي يقول:


١ ذيل الأمالي ج١، ص١٤٥.

<<  <   >  >>