للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوم همو ضربوا الجبابر إذ بغوا ... بالمشرفية من بني ساسان

حتى استبيح قرى السواد وفارس ... والسهل والأجبال من مكران١

وعلى كلتا الروايتين يلاحظ الدارس مغايرة هذه الأبيات التي تتحدث عن القادسية في صياغتها للقصيدة كلها، وعدم التساوق في المعنى، فالقصيدة وَحْدَة موضوعية قائمة بذاتها، منتهية بحكم صياغتها الفنية عندما انتهت إليه من تصوير المعركة وانتهائها بأسر أشرافها، ورئيسها الذي قاظ وشتا عندهم، ولا تحتمل هذه الأبيات التقريرية الأخيرة بحال.

ويقينًا فالقصيدة بالصورة التي تُروى بها مشتملة على هذه الأبيات، قد صنعت في عصرين مختلفين، في الجاهلية والإسلام بمعنى: أن الأبيات الأخيرة أضيفت فيما بعد الفتوح بفعل الرواة، شأنها في ذلك شأن قصيدة ربيعة بن مقروم، وقصيدة عبدة بن الطبيب، ومن قبلهما حسان بن ثابت في قصيدته الهمزية، التي تحدث فيها عن فتح مكة وذكر فيها الخمر.

وقصيدة عمرو جلي فيها طابعها الجاهلي، في أسلوبها، ورصاتها، وقوة تماسكها، وتصويرها الدقيق، وسردها المتأني، الذي يدل على رؤية وفسحة في الوقت أتيحت للشاعر، مما لا يتيسر لتلك الأبيات الأخيرة في القادسية، والتي يظهر في تقريريتها وقصرها أنها صنعت في ظروف قلقة، هي ظروف الفتوح.

وهكذا نستطيع أن نعدد الخصائص الفنية لشعره الجاهلي، وهي تنحصر في نزوع الشاعر إلى الصدق الشعوري الدافق مع نفسه دونما مبالغة، وفي قدرته القصصية الفائقة، ودقته في التصوير، واقتداره على رسم الصور الحركية بمهارة، كل ذلك في أسلوب قوي جزل، تحوطه عاطفة جياشة، وإن كان بعيدًا عن التعلق بالصور الخيالية، ميالًا إلى استعمال الصور المحسوسة للتعبير عن أفكاره وعواطفه.

وموضوعات شعره الجاهلي لا تخرج في مجموعها عن الافتخار ببطولته وتصويره استعداده للحرب، ووصف بلائه فيها ووصف وأيام زبيد في الجالهية.


١ ياقوت ج٤، ص٩١٤.

<<  <   >  >>