للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبعث المسلمون خيلًا تحدق بالأعداء فترميهم؛ لينشبوا القتال ويثيروا الفرس للخروج، فإذا استثيروا وخرجوا تقهقرت خيل المسلمين استطرادًا، حتى يطمعوا الفرس في هزيمتهم، فيرتد المسلمون فيحصرونهم ويأخذونهم على وجوههم. وضعت الخطة، ولكن من الفارس الباسل الذي ينفذها بنجاح، دون أن يكون تقهقره مؤديًا إلى الهزيمة فعلًا لا افتعالًا؟ هناك القائد وأخواه، وحذيفة، وعمرو بن معديكرب، وطليحة ... وغيرهم، ولكن النعمان ينتدب القعقاع ليذهب إلى ظاهر المدينة لينفذ خطته.

وأطاع الجندي الباسل، فتقدم فرمى المدينة بالنبل. وأظهر العزم على اقتحام الأسوار، وأبدى من ضروب البأس ما جعل الفرس ينهضون إليه ليصدوا هجومه. وأثار المسلمون حماسة عدوهم -بقتلهم كل من يبرز إليهم- فخرجوا، ورأوا جند القعقاع قلة فاغتبطوا واجتازوا الأسوار والجند يقاتلون المسلمين، وثبت لهم القعقاع زمنًا حتى لا تنكشف حيلته، ثم تظاهر بالهزيمة وولى بجنده مدبرًا أمامهم، فتابع القعقاع فراره ليبعد بهم عن المدينة، وعن مدى النبل، ورأى القعقاع الفرس يتابعونه ومعهم حسك الحديد ينقلونه أمامهم؛ ليضمنوا الحماية من كرة المسلمين فأمعن في الفرار، وأمعن الفرس في تعقبهم، وقد تيقنوا من هزيمة المسلمين، فتركوا حسك الحديد وراءهم، وأسرعوا يطلبون المسلمين. وهنا انحاز القعقاع إلى جند النعمان وثبت في مواجهتهم، وتراجع الفرس يتفكرون في المكيدة. واستحث الأمراء قائدهم أن يأمر بالهجوم، ولكنه انتظر وحبس جنده عن الفرس، ولم ينجد القعقاع، فأقبل الفرس يرمونهم حتى أفشوا فيهم الجراحات، وشكا الناس بعضهم إلى بعض، والنعمان يصبرهم منتظرًا الزوال ومهب الرياح، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، وسار النعمان يحمل رايته يحض الجند ويحمسهم، ثم كبر وحمل، فتبعه المسلمون ينقضون كالعقبان، واشتد القتال، ولم يكن يسمع إلا صيحات الأبطال ووقع الحديد على الحديد. واستحرت الحرب فانهمرت الدماء، وأخذت الدواب تنزلق. وبينما النعمان على جواده استجاب الله دعاءه وأناله الشهادة، فزلق جواده في الدماء فصرعه وجاءه نعيم أخوه فسجاه بثوبه، وأخذ اللواء فدفعه إلى حذيفة، ولكن حذيفة أقامه مقام أخيه، وأمره بإخفاء الخبر.

وأقبل الليل والمسلمون يدفعون عدوهم أمامهم، حتى أصاب الفرس الإعياء فتراجعوا منهزمين، فإذا بالحسك في انتظارهم مكانه

<<  <   >  >>