للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باغتوهم صباحًا بأهوال الرماح حتى نفد النشاب من الفريقين، وصلى المسلمون الظهر إيماء، ووقف القعقاع يخطب في جنده: أهالكم ما رأيتم أيها المسلمون؟ قالوا: نعم، إنا كالون وهم مريحون. قال القائد الذي لا يعرف إلا النصر: بل إنا حاملون عليهم ومجددون في طلبهم حتى يحكم الله بيننا، فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى نخالطهم، وحمل فحمل المسلمون. ورأى القعقاع الناس يتحاجزون لإقبال الليل فنادى -وقد دبر في نفسه أمرًا: "أين أيها المسلمون، هذا أميركم على باب خندقهم فأقبلوا عليه"، فحملوا على الخندق، وهم يظنون هاشمًا بالخندق، فاقتتلوا قتالًا أشبه بليلة الهرير، فلما انتهوا إلى باب الخندق لم يجدوا إلا القعقاع١، ورأوا الفرس ينهزمون أمامهم، ويحول الخندق بينهم وبين الارتداد إلى المدينة، فأخذهم المسلمون حتى قتل منهم مائة ألف، وفر من بقي إلى حلوان. فأتبعهم القعقاع فأدرك مهران فقتله، وفر الفيرزان إلى حلوان ينهب الأرض؛ ليخبر يزدجرد بهزيمة جلولاء، وانتهى إلى الري. وقدم القعقاع حلوان؛ حيث خرج إليه حماتها فقاتلوه قتالًا عنيفًا، ثم انهزموا أمامه٢. ولما فكر عمر في بناء محلة للمسلمين الذين لم يتلاءموا مع وخومة المدائن، استقدم سعد عبد الله بن المعتم والقعقاع بن عمرو وأمرهما بارتياد المكان الصالح لمقام العرب٣.

ثم ها هو كره أخرى بالشام، يرسل به سعد بن أبي وقاص على رأسه أربعة آلاف كأمر الخليفة عونًا لأبي عبيدة، عندما حصرته الثورة في حمص، إبان حملة قسطنطين، فانطلق في فرسانه يغذون السير من الكوفة إلى حمص. وفي نفس الوقت كان عياض وعبد الله بن عتبان والوليد بن عقبة وسهيل بن عدي يعزلون القبائل التي سارت من الجزيرة تريد لقاء الروم حلفائهم، وأسقط في أيدي الروم، وأخذهم المسلمون من جيش أبي عبيدة قبل وصول القعقاع بثلاثة أيام.

ثم نراه يقوم بدور كبير يوم نهاوند؛ إذ تحصن الفرس في حصن لهم وجعلوا يترقبون، وطال حصار المسلمين حتى عظم الضيق، فعقد النعمان بن مقرن مؤتمرًا قرر أن


١ الطبري ج٥، ص٢٤٥٩.
٢ ياقوت ج٢، ص٣١٧.
٣ الطبري ١/ ٥/ ٢٤٨٤، ٢٤٨٥.

<<  <   >  >>