للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تبدلت من نجد وممن يحله ... محله جند ما الأعاريب والجند؟

وأصبحت في أرض الجنود وقد أرى ... زماني بأرض لا يقال لها بند١

ويستبد الحنين بالشاعر فينظر ناحية نجد، برغم أنه لا يرى شيئًا، ولكنه ينظر حنينًا إليها وإلى خيامها التي يقصر عنها الطرف، وبرغم ألا نفع في نظره فلا يزال ينظر، ثم تجري عبراته تتحدر هكذا كل يوم، وهكذا لا يستريح قلبه، فإما مجاهد في غزاة، أو ناء يتذكر يقول:

أكرر طرفي نحو نجد وإنني ... برغمي وإن لم يدرك الطرف أنظر

حنينًا إلى أرض كأن ترابها ... إذا أمطرت عود ومسك وعنبر

بلاد كأن الأقحوان بروضه ... ونور الأقاحي وشى برد مجير

أحن إلى أرض الحجاز وحاجتي ... خيام بنجد دونها الطرف يقصر

وما نظري في نحو نجد بنافع ... أجل لا، ولكني إلى ذاك أنظر

أفي كل يوم نظرة ثم عبرة ... لعينك مجرى مائها يتحدر

متى يستريح القلب إما مجاوز ... بحرب وإما نازح يتذكر٢

وفي مثل هذه الظروف القاسية الموحشة يجد الشاعر المجاهد الغريب نفسه بحاجة إلى أن يهرب إلى الطبيعة يبثها آلامه وأحزانه، ولا يزال الشعر الذي قيل في نخلة القادسية يصور لنا عاطفة الإنسان المأزوم نحو الطبيعة ولجوئه إليها، وبخاصة لو استشعر إلى جانب مشاعر الاغتراب والوحشة قلقًا يتهدد حياته، أو عندما يهاجمه الإحساس بدنو أجله.

كان ذلك يوم عماس، وقد قتل من المسلمين ألفان وخمسمائة، وكان عدد الجرحى كبيرًا، وأخذ المسلمون في دفن القتلى بمشرق، ودفعوا بالجرحى إلى عناية النساء، وكان بين موقع المعركة مما يلي القادسية وبين حصن العذيب نخلة وحيدة، ليس حولها شيء من الزرع، وكان المسلمون إذا حملوا الجريح مروا به عليها، فإذا كان فيه


١ ياقوت ج٤، ص٧٢٩.
٢ ياقوت ج٤/ ٧٤٧.

<<  <   >  >>