للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك كانت كنائس الروم وبيعهم وما فيها من زخرف ونقوش تلفت أنظارهم كما لفتت نظر حارثة بن النمر وقد شهد اليرموك فقال:

لله باليرموك قوم طحطوا ... أحساب عاتى الروم بالأقدام

فتعطلت منهم كنائس زخرفت ... بالشام ذات فسافس ورخام١

وأثرت هذه الأجواء الجديدة في بعض العرب وفتنت نفرًا منهم، فانحرفوا عن الصواب، وعكفوا على الخمر، وشهود مجالس الطرب والغناء واللهو، يغنيهم الدهاقين والمسمعات الأجنبيات، كما يصور ذلك النعمان بن عدي بن نظلة الذي ولي أعمال دست ميسان لعمر بن الخطاب فجرفته حياة اللهو بقوله:

ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى من زجاج وحنتم

إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... وصناجة تجثو على حرف ميسم

فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلم

لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم٢

وبلغ الأمر عمر فقال: "وايم الله.. قد ساءني ذلك"، وكتب إليه فعزله٣.

وعندما بلغ عمر أن بعض الجند في الشام قد انصرفوا إلى الخمر كتب بأن يطبخ كل عصير بها حتى يذهب ثلثاه، فأخذ خلان الخمر يرثونها، ضائقين بهذا الأمر الصارم، كقول ذي الكلاع الذي شهد اليرموك، وكان السبب المباشر في هذا الأمر:

ألم ترَ أن الدهر يعثر بالفتى ... وليس على صرف المنون بقادر

صبرت ولم أجزع وقد مات إخوتي ... ولست على الصهباء يومًا بصابر

رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلانها يبكون حول المعاصر

فلا تجلدوهم واجلدوها فإنها ... هي العيش للباقي ومن في المعاصر٤


١ الإصابة ج٢، ص٥٦.
٢ الإصابة ج٦، ص٢٤٣، ياقوت، ج٤/ ٧١٤.
٣ الإصابة ج٦، ص٢٤٣.
٤ الإصابة ج٢، ص١٨٣، ج٧، ص٧٩.

<<  <   >  >>