للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذه الآثار أيضًا: ما قاله ضابئ بن الحارث البرجمي، الذي سجن بالكوفة بأمر من عثمان بن عفان، فقد استعار من قوم من الأنصار كلبًا من كلاب الصيد يُدعى "فرحان" وحبس الكلب عن أصحابه ورفض إعادته إليهم، فكاثروه وانتزعوه منه، فهجاهم بقوله:

تجشم دوني وفد فرحان خطة ... تضل لها الوجناء وهي حسير

فباتوا سباعًا ناعمين كأنما ... حباهم ببيت المرزبان أمير

فكلبكم لا تتركوا فهو أمكم ... فإن عقوق الأمهات كبير١

وأثر فيهم هذا الهجاء المقذع، فاستعدوا عليه عثمان، الذي كتب إلى الوليد بن عقبة بحبسه واستثقل ضابئ الحبس وتنبأ بموته في السجن وتحقق ظنه؛ حيث قال:

هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... فعلت ووليت البكاء حلائله

وقائلة قد مات في السجن ضابئ ... ألا من لخصم لم يجد من يجادله

وقائلة لا يبعد الله ضابئا ... فنعم الفتى تخلو به وتحاوله٢

وكان كعب بن ذي الحبكة النهدي في الكوفة يعالج بالسحر والشعوذة وبلغ عثمان ذلك، فأرسل إلى الوليد أن يتبين أمره، فإن كان حقيقة ضربه موجعًا، ثم غربه إلى دنباوند من أعمال الري، ففعل الوليد، فقال في تغريبه:

لعمري لئن أطردتني ما إلى الذي ... طمعت به من سقطتي لسبيل

روت رجوعي يابن أروى ورجعتي ... إلى الحق دهرًا غال حلمك غول

وإن اغترابي في البلاد وجفوتي ... وشتمي في ذات الإله قليل

وإن دعائي كل يوم وليلة ... على بدنبا وندكم لطويل٣

وكان هذا الشاعر من رءوس الفتنة في قتل عثمان.


١ الطبري ج٥، ص٣٠٣٣.
٢ الطبري ج٥، ص٣٠٣٤.
٣ ياقوت ج٢/ ٦٠٩، الطبري ج٥/ ٣٠٣٣.

<<  <   >  >>