للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما وعد الله من الجنة والأجر العظيم، لا طلبة لهم إلا الموت أو النصر، ولا غاية بعد هذين من جاه أو ثروة، وما زالت أبيات عروة ترن في أسماعنا إذ يقول:

فلا ثروة الدنيا نريد اكتسابها ... ألا إنها عن وفرها قد تجلت

وماذا أرجى من كنوز جمعتها ... وهذي المنايا شرعًا قد أطلت

وأصبح همي في الجهاد ونيتي ... فلله نفسي أدبرت وتولت١

وهم لا يستشعرون أدنى ضجر أو ضيق بإزاء ما يلقون من مشاق الجهاد، ومن المنايا التي تحدث بهم من كل جانب، وإنما هم يحمدون هذه المشاق التي ساقتهم إليها عقيدتهم، ويشكرون الله عز وجل أن هداهم للإيمان، ويسألونه أن يوفقهم في طاعته. يقول في ذلك عروة بن زيد الخيل:

صبرت لأهل القادسية معلما ... ومثلي إذا لم يصبر القرن أصبر

فطاعنتهم بالرمح حتى تبددوا ... وضاربتهم بالسيف حتى تكركروا

بذلك أوصاني أبي وأبو أبي ... كذلك أوصاه فلست أقصر

حمدت إلهي إذ هداني لدينه ... فلله أسعى ما حييت وأشكر٢

ورائعة هذه الأهازيج التي كان يلقى بها المجاهدون وهم يلقون أعداء الله، ويعلنون فيها أنهم لا يبغون إلا الشهادة أو النصر، كما جاء على ألسنة أبناء الخنساء يوم القادسية، حينما ألقوا بأنفسهم إلى الموت واحدًا إثر الآخر، وأجمعوا على هذا المعنى في نهاية أراجيزهم، فقال الأول:

وأنتم بين حياة صالحة ... أو ميتة تورث غنما رابحة٣

وقال الثاني:

إما لفوز بارد على الكبد ... أو ميتة تورثكم عز الأبد

في جنة الفردوس والعيش الرغد٤

...


١، ٢ الأخبار الطوال ص١٤٨.
٣، ٤ الاستيعاب ص٧٤٥.

<<  <   >  >>