للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الثالث:

إما لفوز عاجل ومغنم ... أو لوفاة في سبيل الأكرم١

وبنفس هذه الروح المؤمنة كانوا يواجهون الموت، فإن أدركهم في عزيز لديهم لم يجزعوا. وما يجدي الجزع ولكل أجل كتاب، إن الموت حق، وأمر لا بد من نفاذه ضربة لازب. ولا يملكون أمامه إلا الإيمان والتسليم. وعلامَ البكاء وسوف يُبكى على الباكين في يوم قريب؟! بمثل هذه المشاعر كانوا يواجهون الموت، كما واجهه أبو ذؤيب بهذا الإيمان العميق في قوله:

وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع

لا بد من تلف مقيم فانتظر ... أرض قومك أم بأخرى المصرع

ولقد أرى أن البكاء سفاهة ... ولسوف يولع بالبكا من يفجع

وليأتين عليك يوم مرة ... يبكي عليك مقنعًا لا تسمع٢

ونفس هذه الروح نجدها في مرثية كثير بن الغريزة؛ إذ يقول:

ورب أخ أصاب الموتى قبلي ... بكيت ولو نعيت له بكاني

فلا تستبعدا يومي فإني ... سأوشك مرة أن تفقداني٣

وكانت تشيع في رثائهم -إلى جانب نغمة التسليم والإيمان- نغمة رضاء واستبشار واستحسان؛ لما قدمه الشهيد باستشهاده، وما تحمله من تضحيات، فعليه إذن أن ينام قرير العين، هانئ البال. يقول القعقاع في رثاء خالد بن يعمر:

حضض قومي مضر حي بن يعمر ... فلله قومي حين هزوا العواليا

وما خام عنها يوم سارت جموعنا ... لأهل قديس يمنعون المواليا٤


١ الاستيعاب ص٧٤٥.
٢ ديوان الهذليين ج١، ص٣.
٣ البلاذري ٢٧٩، ياقوت ج٢/ ١٤٩.
٤ الطبري ج٥، ص٢٣٢٩.

<<  <   >  >>