للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا خليد بن المنذر يدعو لهؤلاء الذين خضبوا بدمائهم الرماح يوم طاوس فيقول:

فلا يبعدن الله قومًا تتابعوا ... فقد خضبوا يوم اللقاء العواليا١

وهذا عبد الله بن سبرة الجرشي -الذي قطع الأرطبون يده يوم فلطاس- لا يشعر بالحسرة والندم على يده، إلا أنها تمنعه الجهاد، ولكن ما دام بها بنانتان وجرموز يقيم بها صدر القناة فلا بأس. وعلامَ يتحسر عليها وقد قامت بدورها فقطعت أوصال الأرطبون قبل أن يقطعها؟! وفي هذا يقول:

فإن يكن أرطبون الروم قطعها ... فقد تركت بها أوصاله قطعا

وإن يكن أرطبون الروم أفسدها ... فإن فيها بحمد الله منتفعا

بنانتان وجرموز أقيم بها ... صدر القناة إذا ما آنسوا فزعا٢

ومن المشاعر الإسلامية الخطيرة التي شاع أثرها في الشعر ما ركزه الإسلام في العرب من إحساس بالقوة، وما أثمره عمق إيمانهم من اعتداد بأنفسهم، وتقدير لذواتهم، واستهانة بقوى الباطل، لإيمانهم بأنهم على حق وفي سبيله.

وقد أبدلهم الإسلام عن إحساسهم بالضعف والهيبة أمام الفرس والروم في الجاهلية إحساسًا بالقوة، وشعروا بأنهم ألأعلون، وإن على أكتافهم تقع مسئولية تبليغ الرسالة، التي أضحوا قوامين عليها إلى العالمين، بما في ذلك دولة فارس ودولة الروم.

وبغير هذا الإحساس لم يكن يتسنى للعرب -وهم فل حروب داخلية حصدتهم حصدًا، ولم يكن يمكنهم وهم على ما هم عليه من ضعف العدة وضيق ذات اليد وقلة العدد بالقياس إلى هاتين الدولتين- أن يستبيحوا حماها أو أن يدوسوا حصونهما ومعاقلهما.

فقد قلب هذا الإحساس -بالثقة والمسئولية- ميزان الموقف رأسًا على عقب، فإذا بالحفاة العراة رعاة الإبل وأكلة الحنظل يطبقون من كل جانب على سادة الأمس القريب، وهم على ما هم عليه من ضخامة الثروة، والمدنية والعمران، وانفساح الرقعة،


١ ياقوت ج٢، ص٤٩٤.
٢ الإصابة ج٥، ص٦٠، ٩٢.

<<  <   >  >>