للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورأى العرب من نصارى بكر بن وائل أن يثأروا لهزيمتهم، فكاتبوا الفرس واجتمعوا على أليس، ولكن خالدًا تمكن منهم، وقتل من العرب والفرس سبعين ألفًا١. واستمر خالد في طريقه إلى أمغيشيا؛ لأن أليس من مسالحها، فخربها وفرق أهلها٢. ثم استقل خالد النهر، متخذًا من سفن أمغيشيا التي غنمها المسلمون مطية إلى مرزبان الحيرة، الذي نهض في عسكره إلى خارج الحيرة، وأمر ابنه فسد قناطر الفرات؛ ليحول دون مسيل الماء فيما وراءها، فيعوق ذلك مسير السفن إليهم. وبينما خالد وجنده يدفعون بسفنهم شمالًا إلى الحيرة إذ جنحت السفن وارتطمت بقاع النهر، فخرج خالد في كتيبة من فرسانه، فلقي ابن المرزبان على فم العقيق، وقتلوه في جنده شر قتلة، وأعاد خالد الماء يجري في النهر، فعادت المياه تقل السفن إلى الخورنق، حيث نزل المسلمون يستعدون لفتح الحيرة٣.

وكان أهل الحيرة متحصنين بقصورهم، فحاصرهم خالد، بأن جعل أصحابه يحاصر كل منهم قصرًا، ثم دعوهم وأجلوهم يومًا فأبوا، فناوشهم المسلمون، وانتهت المناوشة باستجابتهم إلى الجزية وعقد الصلح٤. وما إن سقطت الحيرة حتى أخذ الدهاقين يتتابعون على صلح المسلمين؛ إذ كانوا يترقبون ما يصنع أهل الحيرة. وبذلك بلغ سلطان المسلمين شاطئ دجلة، وأصبحوا مهددين له، ومن ثم أخذ خالد يكتب إلى أمراء فارس ومرازبتهم يدعوهم وينذرهم ويتوعدهم.

وبينما ينهى خالد ما نيط به من خطة أبي بكر بدخوله الحيرة لا نسمع شيئًا عن شريكه عياض، الذي يدفع بخالد إلى إرجاء المرحلة الثانية من الخطة حتى يستنقذه، فيخلف القعقاع بن عمرو على الحيرة في طريقه إلى الأنبار، وكان أهلها قد تحصنوا وخندقوا وأشرفوا من حصونهم، فأمر خالد بأن ترشق عيونهم، فأصاب منهم المسلمون ألف عين؛ ولهذا فقد سميت تلك الوقعة بذات العيون٥. وأفلح خالد في أن يسد الخندق بالمناحر، واجتازه المسلمون، وفضوا الحصون، وأعملوا في سكانها السيوف، ثم


١ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٣١-٢٠٣٦.
٢ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٣٦.
٣ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٣٧، ٢٠٣٨.
٤ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٣٨.
٥ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٥٩.

<<  <   >  >>