للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاغتنمها فرسان هرمز، وشدوا يريدون قتل خالد واستخلاص قائدهم من يده، لكن القعقاع بن عمرو لم يمهلهم، فشد المسلمون وانهزم أهل فارس، وطارد المسلمون الفرس إلى الليل، حتى بلغوا الجسر الأعظم من الفرات، وطار المثنى في أثرهم يلاحقهم١.

وكان لهذه الغزوة الأولى أثر عظيم، ألهب حمية المسلمين، فقد قتل هرمز بين يدي خالد، وغنم المسلمون ما شاء الله لهم أن يغنموا، حتى بلغ نفل الفارس ألف درهم خلا السلاح. وزاد نصر المسلمين جلالًا تنفيذ خالد للسياسة التي رسمها أبو بكر مع العرب الفلاحين بالعراق، فسبى المسلمون أبناء المقاتلة الذين كانوا يقومون بأمور الأعاجم، أما الفلاحون فتركوا وأقروا، وجعلت لهم الذمة.

وما لبث أردشير بعد أن تسلم رسالة هرمز أن دعا إليه أحد الأمراء الفارسيين المسمى قارن بن قريانس، وجعله على رأس قوة عظيمة سارت مددًا لجيش الثغور، وانضم إليها قباذ وأنوشجان على رأس فلول المنهزمين وعسكروا بالمذار، وعلم المثنى في عودته من مطاردة الفالة بأمر هذا الحشد، وخشي أن يقابله دون خالد، فكاتبه بتفصيل ما عنده وأنزل جنده منزلًا قريبًا من المذار، وطار خالد بجيشه فبلغ المذار وقارن يعد للقاء المثنى. وأخاف قدوم خالد الفرس الموتورين، وإن لم يضعف عزمهم، وخيل إلى قارن أنهم إن هاجموا خالدًا قبل أن يتخذ للموقف عدته لم يفتهم الظفر بالمسلمين وردهم إلى ديارهم. ولكن خالدًا كان على أهبة الاستعداد، فشد عليهم. ورأى المثنى في قدوم خالد معجزة أمد الله بها المسلمين فانقلب جنده من الخوف إلى اليقين بالنصر أسودًا كاسرة، والتحم الجمعان فإذا بقارن وقباذ وأنوشجان يُذبَحون بأعين جنودهم، وسيوف المسلمين تطيح برءوس الفرس من كل جانب، فيفرون إلى السفن يتخذونها مطاياهم للنجاة٢. وقد أخذ الفرس تحت وطأة الهزيمة يحشدون عرب الضاحية والدهاقين لمعركة يثأرون فيها، وفي الولجة أوقع بهم خالد، وكانت الإصابة في بكر بن وائل فادحة٣.


١ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٢١، ٢٠٢٢.
٢ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٢٧-٢٠٢٩.
٣ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٢٩-٢٠٣١.

<<  <   >  >>