للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان جنود خالد قد قل عددهم بعد قتال اليمامة، وتسريح من شاء الرجوع بإذن الخليفة، حتى لا يستفتح بمتكاره، وألا يكون معه في الغزو أحد ممن ارتد حتى يرى الخليفة رأيه فيه؛ ولهذا استمد خالد أبا بكر، فأمده بالقعقاع بن عمرو التميمي، فلا يهزم جيش فيه مثله، كذلك أمد عياضًا بعبد بن عوف الحميري.

ولم يلبث خالد أن حشد ثمانية آلاف من ربيعة ومضر إلى ألفين كانا معه، ثم سار إلى العراق على رأس عشرة آلاف قدم بهم، على ثمانية آلاف كانوا مع أمراء الجند المسلمين الذي سبقوه إليه، والمثنى في مقدمتهم.

وكان أمر أبي بكر إلى خالد أن يبدأ بالأبلة١، ولكن الرواة يجمعون على أن أول غزاة بالعراق كانت في الحفير، بينما يختلفون في أمر الأبلة، هل كان فتحها في عهد أبي بكر أو على عهد عمر؟ وكان أمير منطقة الحفير من قبل فارس يدعى "هرمز"، ومن أسوأ أمراء الثغور معاملة للعرب، حتى ليضرب به المثل في الخبث والكفر، وكان يعتبر نفسه حامي البلاد؛ لصده هجمات العرب وغاراتهم في البر، وقراصنة الهنود في البحر.

وقد سار خالد من اليمامة إلى العراق على رأس عشرة آلاف من الجند. وما إن بلغ حدود هرمز حتى ألفى المثنى وجنده في انتظاره، وحينئذ قسم الجند كله ثلاث فرق، وجه كل واحدة منها إلى طريق، على أن يلتقوا جميعًا بالحفير.

وسارت الفرقة الأولى بقيادة المثنى، وتبعتها بعد يوم فرقة أخرى على رأسها عدي بن حاتم الطائي، وبعد يوم آخر سار خالد في المؤخَّرة، وكان خالد قد أرسل إنذارًا إلى هرمز الذي بلغه مع كتاب خالد أنباء جند المسلمين ومسيرهم فكتب إلى أردشير بالخبر، وجمع جموعه وسار إلى الكواظم ليلقى فيها خالدًا، ولكن أنباء أخيرة جاءته بأن خالدًا أمر أصحابه بالسير إلى الحفير، فأسرع بجنده إليها، ونزل على الماء فيها. وقدم خالد ليجد جنده على غير ماء، فيقرر معهم ضرورة مجالدتهم على الماء.

وكان على مجنبتي هرمز أميران من بيت الملك في فارس، هما: "قباذ" و"أنوشجان"، وأدرك هرمز أنه لن يدرك غرضه إلا بقتل خالد، فناده وعهد إلى جماعة من فرسانه أن ينقضوا عليه فيقتلوه. وسمع خالد النداء، فمشى إلى هرمز والتقيا،


١ على الخليج الفارسي، وهو الثغر الذي تسير منه التجارة إلى الهند والسند وترد إليه منهما للعراق.

<<  <   >  >>