للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصارم، فراحوا يستشرفون مثل هذه الغاية التي أعدوا لها أنفسهم منذ أن كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه فرصة ثمينة، يجب أن تكون خطوة لما بعدها. ولئن حالف المسلمين النجاح في هذا الخطوة لتكونن البشير لخطوات واسعة، فبقاع العراق الخصبة، التي أطلق عليها "جنة الأرض" تموج بكثرة غلالها ووفرة خيراتها وجمالها، وقد رأى أبو بكر صدق ما يذكره المثنى، ورأى أن من الواجب على المسلمين أن يقوموا بتأمين العرب من أهلها، فإذا استجاب هؤلاء العرب من بعد للدعوة الإسلامية، ولم يصرفهم الفرس عنها فذاك، وإلا قاتل المسلمون الفرس؛ ليكون المجال فسيحًا أمام كلمة الحق التي ستنتصر لا محالة.

ويجمع أبو بكر ولاة أمر المسلمين وأولي الرأي منهم؛ للتداول في عناصر نجاح تدبيره. وما أن ينتهي حتى يخطو الخطوة الأولى في فتح العراق، فيأمر المثنى بن حارثة الشيباني بأن يسير بمن معه من قومه لقتال أهل فارس. ولما بلغته أخبار انتصاراته بدلتا النهرين رأى أن يمده، فكتب إلى خالد بن الوليد في المحرم من سنة ١٢هـ يأمره أن يجمع بقية جنده ويمضي إلى العراق فيدخله من أسفله، وأمر عياض بن غنم أن يسير إلى دومة الجندل ليخضع أهلها المرتدين، ثم يدخل العراق من أعلى، متجهًا شرقًا إلى الحيرة، فإن بلغها قبل خالد فالأمر فيها له، وخالد فيها من قواده، وإن سبقه خالد إليها فالأمر والقيادة له، وعياض من قواده. فإذا اجتمعتما في الحيرة وقد فضضتما مسالح فارس وأمنتما أن يُؤتَى المسلمون من خلفهم فليكن أحدكم ردءًا للمسلمين ولصاحبه بالحيرة، وليقتحم الآخر على عدو الله وعدوكم من أهل فارس دارهم ومستقر عزهم المدائن١.

وهكذا تهدف الخطة التي وضعها أبو بكر مباشرة إلى الحيرة، ومنها إلى المدائن. وعلى هذا يمكننا أن نجعل الفتوح الشرقية مراحل ثلاث؛ أولاها: ما قبل الحيرة، والثانية: تشمل ما بين الحيرة والمدائن، والثالثة: تشمل ما بعد المدائن.

المرحلة الأولى:

كانت وصية أبي بكر لأمرائه أن يتجهوا إلى الحيرة، على ألا ينالوا العرب الفلاحين بسوء، فهم عرب، فضلًا عما يشعرون به من ظلم الفرس الذي يجب أن يزول حين مقدم العرب؛ ليعمهم العدل على أيدي بني عمومتهم.


١ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٢١، ٢٠٢٢.

<<  <   >  >>