للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يزال التاريخ يحفظ وفادات الشعراء العرب على أمراء الحيرة العرب، التي استمرت طوال مدة حكمهم. فقد وفد عليهم: طرفة بن العبد، والحارث بن حلزة، وعمرو بن كلثوم، والنابغة الذبياني؛ إذ كان هؤلاء الأمراء يعنون باللغة والأدب، ويحبون الشعر والشعراء، ويهتمون بجمع الأشعار وتسجيلها وحفظها في قصورهم١.

هذا، وقد شاع في الأدب العربي، وفي الحياة العقلية للعرب بعامة كثير من آثار العراق وفارس، سقطت إلى العرب عن طريق الحيرة؛ كأحاديث جذيمة بن الأبرش، وأساطير الزباء، والخورنق والسدير، وسنمار وجزائه، ويومي البؤس والنعيم اللذين استنهما النعمان بن المنذر٢، هذا فضلًا عما سقط إلى اللغة العربية من ألفاظ فارسية تجلت في استخدام القرآن الكريم لها. هذه الصلات الوثيقة وما يعززها من قرابة الدم والجوار واللغة، وتلك العلاقات العقلية والحضارية والسياسية كانت كفيلة كلها بتوجيه أنظار المسلمين إلى العراق.

ولم يكن خافيًا على أبي بكر ما وصلت إليه فارس صاحبة السلطان في العراق من اضطرابات داخلية، ضربت بجرانها في البلاط الفارسي؛ إذ يسعى كل أمير ليقتل الجالس على العرش ليأخذ مكانه، حتى ليدعي هذا العرش في أربع سنوات تسعة من الأمراء كانوا يقتتلون عليه، يقتل بعضهم بعضًا جهرًا وغيلة. وقد بدأ هذا الاضطراب في عهد كسرى أبرويز، الذي أرسل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فكان جوابه أن كتب إلى عامله في اليمن بأن يرسل إليه ذلك الراعي ليرى رأيه فيه. وحدث أن ثار عليه ابنه شيرويه فقتله واستلب العرش، ولكنه لم يتمتع بالملك طويلًا فمات بعد قليل، تاركًا العرش لابنه الصغير، الذي ثار به أحد القواد فقتله ونصب نفسه ملكًا، واستهدف هذا الملك لثورة الأسرة المالكة به، فقتل بعد أربعين يومًا من ثورته. حتى آل الأمر إلى بوران بنة كسرى أبرويز، وكان ذلك في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

لمح المسلمون في كل هذه الظروف المواتية فرصتهم وبشير سعودهم، وقد ارتفعت معنوياتهم بإعادة الأمور إلى نصابها، والظفر بأهل الردة، وبفرض كلمة الحق بالسلطان


١ العمدة ج١، ص٦١.
٢ فجر الإسلام ص١٨.

<<  <   >  >>