للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفرس، وبخاصة في دومة الجندل على أطراف العراق وشبه الجزيرة، وعلى امتداد خط القوافل بمحاذاة الخليج الفارسي. وكان التجار الأعاجم يقدمون إلى مكة -قبل أن يلي هاشم شئون التجارة- فيشتري منهم العرب، ويتبايعون فيما بينهم ويبيعون من حولهم. ثم أخذ العرب بعد ذلك يقتحمون العراق وفارس بتجارتهم؛ إذ اختص نوفل بن هاشم بالتجارة مع فارس وعقد معها حلفًا ومعاهدة تجارية فيما يقال١.

وليس أدل على قوة هذه الصلات من أن سكان الحيرة والأنبار كانوا يكتبون اللغة العربية، فقد وجد خالد بن الوليد بعد فتح الأنبار قومًا يكتبون بها فسألهم: ممن تعلمتم؟ فقالوا: من إياد، وأنشدوه:

قومي إياد لو أنهم أمم ... أولو أقاموا فتهزل النعم

قوم لهم باحة العراق إذا ... ساروا جميعًا والخط والقلم٢

وكذلك وجد قوم من العرب كانوا يجيدون اللغة الفارسية إجادة مكنتهم من الاشتغال لدى ملوك الفرس بالكتابة والترجمة، من مثل عدي بن زيد التميمي، الذي كان يكتب لكسرى أنوشروان ويترجم له. وخلفه في عمله ابنه زيد٣.

وكانت وفادات العرب على ملوك الفرس لا تنقطع، وفي كل مرة كان العرب يعودون وقد حملوا معهم إلى موطنهم ألوانًا من المعرفة والحضارة، كما فعل الحارث بن كلدة من وفوده على كسرى أنوشروان، وابنه النضر بن الحارث الذي تعلم في فارس صناعة الألحان والطب، وكان يجلس ليتحدى الرسول صلى الله عليه وسلم بأحاديثه من ملوك فارس٤. ومثل: عبد الله بن جدعان الذي وفد على كسرى فاستطاب من أطعمة فارس الفالوذج، فابتاع غلامًا أعجميًّا يصنعه له٥.


١ حياة محمد، هيكل ص٩٧.
٢ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٦١.
٣ مروج الذهب ج٢، ص٢٥، ابن خلدون ج٢، ص٢٦٦.
٤ السيرة "الحلبي" ج١، ص٢٢١.
٥ الأغاني، دار الكتب ج٨، ص٢٢٩.

<<  <   >  >>