للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوجد الروم في مواجهته، ليس بينه وبينهم غير مجرى الفرات. وقد أغاظ الروم أن يقيم جيش المسلمين في مواجهتهم، وأن يطيل المقام غير عابئ بهم، ولا بكتائب الفرس القريبة، ولا بأهل البادية من تغلب والنمر وإياد المنتشرين حولهم في كل مكان. ولم يلبث هؤلاء وأولئك أن انضموا إلى الروم وحرضوهم وأمدوهم، فسار خالد حتى إذا لم يبقَ بينه وبينهم غير الماء بعثوا إليه يخبرونه بين أن يعبروا إليه أو أن يعبر إليهم، فاختار عبورهم. وفيما يعبرون صف خالد صفوفه ودبر خطته، والتقى الجمعان، وأبلى المسلمون بلاء لم يعهده أعداؤهم، فلم يثبتوا لهم، وانكشفوا وأدبروا، والمسلمون من ورائهم يمعنون في قتلهم، حتى بلغ من قتل في هذه الواقعة مائة ألف من أعداء المسلمين١.

أقام خالد عشرة أيام بعد وقعة الفراض، ثم أذن في الناس بالرجوع إلى الحيرة، لخمس بقين من ذي القعدة من السنة الثانية عشرة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بالمسلمين، وأظهر أنه بالساقة، وفي نفس الوقت أمر شجرة بن الأعز أن يسوقهم. ومن ثم مضى هو إلى الحج -لا يعلم أحد بذلك- في طريق غير مطروقة، متعسفًا البلاد، ومتسمتًا مكة٢.

وما إن قضى نسكه حتى سارع إلى جنده فأدركهم في دخولهم الحيرة، فالتحق بالساقة كأن لم يكن شيء. وقد اعتبر أبو بكر هذا العمل -حينما علم به بعد ذلك- زهوًا من خالد بنفسه واغترارًا. وحدث أن مست الحاجة إلى رمي الروم بمثل ما رمى به الفرس، فتلقى خالد بالحيرة كتابًا من أبي بكر يأمره بأن يسير حتى يأتي جموع المسلمين باليرموك، فقد شجوا وأشجوا، على ألا يعود لمثل ما فعل، وألا يدخله عُجْب، وألا يدل بعمل. على أن يستخلف المثنى على العراق في نصف الناس، وأن يأخذ معه النصف، "فإذا فتح الله عليكم فارددهم إلى العراق وأنت معهم، ثم أنت على عملك"٣.

المرحلة الثانية:

انتهت المرحلة الأولى من الفتوح الشرقية باستنقاذ عياض واستقامة العراق للمسلمين أسفله وأعلاه. وبدأت المرحلة الثانية بنفس البداية، فالمثنى وحده في العراق بعد أن صدع


١ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٧٣-٢٠٧٥.
٢ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٧٥، ٢٠٧٦.
٣ الطبري ١/ ٤/ ٢٠٨٩-٢١١٠.

<<  <   >  >>