للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خالد بأمر أبي بكر، وتوجه في نصف جيش العراق إلى اليرموك. ولم يكد المثنى يعود من وداع خالد إلى تخوم الصحراء حتى بدأ ينظم الدفاع عن البلاد التي فتحها المسلمون. فلا ريب أن الفرس سيتحرشون به متى علموا بسفر خالد، ولا ريب كذلك فيما سيتكشف عنه حقد القبائل العربية التي لم يصلحها إلا بطش خالد، ولكنه أحفظها كذلك، فباتت تترقب الثورة بالمسلمين. وقد شعر خالد قبل توجهه إلى الشام بدقة الموقف، فبعث بالنساء والصبيان والضعفاء إلى المدينة.

ووجد المثنى نفسه في حالة لا يُحسد عليها، فهو رائد الفتح في هذا الميدان وطليعته، وليس من الهين على نفسه أن يهزم فيه، وزاد الموقف صعوبة أن الفرس استقام أمرهم على شهر براز بن أردشير، الذي أراد إرهاب المثنى، فوجه إليه جندًا كثيفًا، بقيادة هرمز جاذويه، وفي مقدمة جيشه فيل كبير. ولم ينتظر المثنى أن يقدم عليه الفرس في الحيرة، متخطين المناطق التي حازها المسلمون، فخرج إليهم في جنده، وسار حتى بلغ أطلال بابل، وعلى مقدمتيه أخواه المعنى ومسعود، فعسكروا على مرتفع يبعد خمسين ميلا من المدائن. والتقى الجمعان، وكانت معركة رهيبة، ابتلي فيها المسلمون بالفيل الذي عانى منه الجند والخيل، حتى دل المثنى على مقاتله فقتله، وهاجموا الفرس فهزموهم شر هزيمة واحتلوا معاقلهم، وتعقبوا فلولهم إلى أبواب المدائن١.

ونزلت الهزيمة على شهر براز نزول الصاعقة، فحم ومات. وعاد الاضطراب إلى البلاط الفارسي من جديد، فاطمأن المثنى قليلًا، ولكنه حسب حساب الغد حينما تنتهي هذه الخلافات، ولا بد له أن يكون مستعدًّا للقائهم لقاء حاسمًا. والخليفة لا يمكن أن يمده وجيوشه موزعة في الشام والعراق، ولو كان في الإمكان إمداده لما فصل خالد بنصف جيش العراق، ولكنه كتب إلى الخليفة يستأذنه في الاستعانة بمن ظهرت توبته من أهل الردة. وفي انتظار رد الخليفة أقام يدبر خطته ويحكم تدبيره، وأبطأ رد الخليفة، ولم يرَ المثنى بُدًّا من الانسحاب إلى أدنى أرض العراق من حدود البادية؛ حيث خلف على المسلمين بشير بن الخصاصية، وذهب بنفسه إلى المدينة ليرى رأيه مع الخليفة. وفي المدينة ألفى المثنى أبا بكر مريضًا مرضًا يشفي على الموت، ولكنه استقبله، واستدعى عمر بن الخطاب فأوصاه أن يندب الناس مع المثنى، لا يشغله مصيبة وإن عظمت عن وصيته.


١ الطبري ١/ ٤/ ٢١٥٢.

<<  <   >  >>