للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقضي الخليفة الأول في الحادي والعشرين من جُمَادَى الآخرة سنة ١٣هـ بعد إصدار أمره بندب المسلمين مع المثنى، لاستكمال المرحلة الثانية من الخطة التي رسمها. ولم يضيع الخليفة الثاني وقتًا، فأخذ يندب الناس باذلًا في ذلك جهده، حتى بلغ له من أهل المدينة ومن كان قد ارتد حشد كبير، أمر عليه أول منتدب -أبا عبيد عمر بن مسعود الثقفي- وعجل المثنى، فسبق أبا عبيد، ووصل إلى الميدان بعد عشر ليال؛ ليلحق به أبو عبيد بعد شهر من وصوله.

ولا يكاد المثنى يستقر بين جنده حتى يسأل عما آل إليه أمر البلاد الفارسي فيبلغه أن الفرس ولوا ابنة كسرى عليهم ثم خلعوها، وخلفها سابور بن شهريران، الذي تآمرت عليه ابنة عمه آزرميدخت، فقتل وقتل وزيره الفرخزاد، وجلست على عرش فارس. لكن القائد رستم بن الفرخزاد انتقم لأبيه، فألحق الهزيمة بجيوش الملكة وحاصر قصرها. وأقام بوران ابنة كسرى على عرش البلاد، فأطلقت يده في أمور الدولة وجعلته على الجند، وأمرت أهل لفارس أن يسمعوا له ويطيعوا.

وبلغ أبو عبيد العراق، فوجد المثنى قد انسحب إلى "خفان" على حدود البادية؛ لأن رستم أوعز إلى الدهاقين بالسواد أن يثوروا بالمسلمين، ودس في كل رستاق رجلًا يثير أهله، ثم أرسل جندًا لمصادمة المثنى، الذي آثر الحذر وانسحب من الحيرة، حتى لا يُؤتَى من خلفه، وفي "خفان" وافاه أبو عبيد، وأقاما يدبران خطة لملاقاة الفرس.

وكان رستم قد عهد إلى جابان -أحد قواده- أن يتجه على رأس جيش عظيم إلى الحيرة، كما عهد إلى قائد آخر هو نرسى أن يتجه إلى كسكر. وخرج المسلمون بعد أن جمعوا في "خفان"، فالتقوا بهم عند النمارق، واقتتلوا قتالًا شديدًا، أظفر الله فيه المسلمين، فأسروا جابان ومرادا نشاه١.

وما إن علم رستم بهزيمة جابان حتى أمر الجالينوس بأن يسير إلى المسلمين فيلحق بنرسى في كسكر، ولكن أبا عبيد كان أسرع منه، فحث بجنده السير لمواجهة نرسى، الذي انحاز إليه فل النمارق. والتقى المسلمون بالفرس في مكان يُدعى بالسقاطية على مقربة من كسكر قبل أن يصل الجالينوس. ولم يثبت نرسى أكثر مما ثبت جابان، ففر في


١ الطبري ١/ ٤/ ٢١٥٢-٢١٦٨.

<<  <   >  >>