للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جنده تاركًا لهم مغانم كثيرة. وأقام أبو عبيد بكسكر، بينما سرح المثنى وغيره من القواد يغيرون على النواحي القريبة، فاحتلوا سواد العراق -أسفله وأعلاه- وأذاعوا الرعب في القوم، معيدين إلى ذاكرتهم أيام خالد بن الوليد. فما لبث الدهاقين حتى جاءوا أبا عبيد يصالحونه، ويعتذرون عن ممالأة الفرس، وأن ذلك كان بإكراههم. ولما تم الصلح معهم جاءوه ببعض الهدايا١، ونهد أبو عبيد للجالينوس الذي كان تحول إلى باقسياثا فهزمه وألجأه إلى الفرار٢.

وتبلغ الهزيمة رستم، فيجهز جيشًا عليه بهمن جاذويه، ويبعث بالجالينوس والفيلة وراية فارس الكبرى "درفش كابيان" في جيش لم يعرفه المسلمون من قبل، وتراجع أبو عبيد بجنده إلى قرية قس الناطف، بعد أن عبر النهر إليها وتحصن بها ينتظر عدوه. وأقبل بهمن يفصل بينه وبين المسلمين النهر، وبعث يخير أبا عبيد في أن يعبر إليهم أو يعبروا إليه وأشار أصحاب أبي عبيد عليه بألا يعبر، وأن يدع الفرس يعبرون، لكنه أخذته العزة فقال: والله لا يكونون أجرأ منا على الموت، بل نعبر نحن إليهم. وعبر. فعبر المسلمون واقتتلوا على الجسر، فأصيب من الفرس ستة آلاف قتيل وغريق، ولم يبقَ لهم إلا الهزيمة، برغم هول الفيلة وخيبة الخيل بإزائها، وحدث أن أبا عبيد كان يعالج فيلًا فخبطه وأصابه، فتضعضع المسلمون لإصابة قائدهم، وركب الفرس أكتافهم، فبادر رجل من ثقيف إلى قطع الجسر؛ ظنًّا منه أنه بذلك يمنع الفرس عن المسلمين فكانت الطامة؛ إذ أخذت السيوف المسلمين من كل ناحية، فتهافتوا في الفرات، واستطاع المثنى في حماية نفر من المسلمين أن يعقد الجسر، وعبر المسلمون إلى المروحة عائدين إلى مكانهم. وأصيب المثنى بجراح وهو يعقد الجسر. وفر ألفان من المسلمين وقتل أربعة آلاف منهم. وبقي المثنى في ثلاثة آلاف فحسب٣. وكانت هزيمة الجسر.

هذه أول هزيمة صادفها المسلمون؛ ولهذا كان أثرها في المسلمين أليمًا وعنيفًا، حتى ليتجاوز ميدان المعركة إلى المسلمين في المدينة؛ حيث لجأ الفارون. ورأى عمر بثاقب رأيه


١ الطبري ١/ ٤/ ٢١٦٨-٢١٧٠.
٢ الطبري ١/ ٤/ ٢١٧٢.
٣ الطبري ١/ ٤/ ٢١٧٤-٢١٨٢.

<<  <   >  >>