للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يحتضنهم، وأن يعتبرهم متحفزين لقتال؛ ليداري افتضاحهم في ثباتهم ورجولتهم فيقول: أنا فئة كل مسلم١.

انحدر المثنى بجنده جريحًا إلى أليس، فقد خشي أن يتعقبه بهمن واضعًا في تقديره قوة عدوه وقوته، وصح ما توقعه المثنى، فقد تجهز بهمن لتعقبه، إلا أن الأنباء واتته بتجدد الاضطرابات في المدائن، واختلاف الفرس فرقتين، إحداهما مع رستم والأخرى مع الفيروزان. فعاد بهمن إلى العاصمة، وخلف من ورائه جابان ومردانشاه في كتيبة من الجند، فسارا يتعقبان المثنى، فخرج إليهما وأسرهما وأصحابهما، وضرب أعناقهم جميعًا. فقد خدعا أبا عبيد يوم أسرا بالنمارق، وعاد إلى حرب المسلمين. وفي هذا الوقت كان عمر في المدينة يحشد أمدادًا من بجيلة وضبة. وممن ظهرت توبتهم من أهل الردة. وأدرك المثنى أن هذه الإمدادات تحتاج إلى وقت طويل حتى تصل إليه، وسرعان ما تنتهي الاضطرابات في العاصمة حتى يعود الجند تتقدمهم الفيلة، فبعث إلى من يليه من قبائل العرب فتوافوا إليه في جمع عظيم، بينهم نصارى بني النمر، ونقل عسكره من أليس إلى مرج السباخ بين القادسية وخفان ليكون على تخوم العرب يلجأ إليهم عند الحاجة. وكان عمر يتصور حال المثنى وموقفه الدقيق، فضاعف جهده في ندب الناس المتثاقلين، بعدما رأوا فالة الجسر وفرارهم، فاستصلح عمر جرير بن عبد الله البجلي في جمع من بجيلة، وحذا الناس حذو بجيلة، فانضم إليهم من فر يوم الجسر وكثير من الأزد، وبني كنانة، وخلق كثير من مختلف القبائل، وتحمل الناس ومعهم نساؤهم وساروا يريدون المثنى.

وانتهى الخلاف بين رستم والفيروزان، وهالتهما أنباء الأمداد التي تسير تباعًا إلى العراق، فجمعا جندًا عظيمًا، جعلا عليه مهران الهمذاني. وسار مهران في جنده تتقدمه الفيلة، وفي خاطره أن يحرز نصرًا يُنسي الناس انتصار بهمن يوم الجسر. وقد علم المثنى بمسيره، فسار إلى البويب مكان الكوفة الحالية بعد أن كتب إلى أمراء الأمداد بموافاته فيها. وسار مهران حتى وقف قبالة جيش المسلمين، لا يفصل بينهما غير النهر. وأرسل يخير المسلمين في العبور، ولم يكن المثنى قد نسي ما حدث لأبي عبيد. فعبر الفرس إلى البويب، وتعبئوا في صفوف ثلاثة على كل فيل. ولم يكد المسلمون يمسعون التكبيرة


١ البلاذري ص٢٥٢.

<<  <   >  >>