للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأولى حتى أعجلهم الفرس فشدوا عليهم، فاختلت صفوفهم؛ ولكنهم عادوا فشدوا، وترجحت المعركة حامية الوطيس حتى حمل المثنى على قائد الفرس فأزاله عن مكانه، ودخل في ميمنته. ورأى الفرس ما حدث فاندفعوا يحمون قائدهم، وتقهقر القلب تحت ضربات المسلمين إلى النهر يريدون العبور، فسبقهم المثنى والمسلمون فردوهم عنه. فازداد اضطرابهم بعد أن حصروا فقتلوا شر قتلة، حتى لقد سُمي يوم البويب بيوم الأعشار؛ لأنهم أحصوا مائة رجل من المسلمين قتل كل منهم عشرة من الفرس، وأمعن المسلمون يتعقبون الفالة إلى الليل، وأحصوا القتلى مائة ألف من الفرس، تلوح عظامهم تلولًا١.

انتصر المسلمون انتصارًا مبينًا، تطهروا فيه من عار هزيمتهم يوم الجسر، وإن كانوا فقدوا عددًا كبيرًا بين جريح وقتيل. ولم يضيع المثنى وقتًا، فأمر قواده فانطلقوا في السواد حتى بلغوا ساباط على مرأى من المدائن وجيوش الفرس تفر أمامهم فرار النعام. وانطلق هو فغزا الخنافس والأنبار أيام سوقهما فنال منهما غنمًا كثيرًا. فبلغ المسلمون دجلة وأغاروا على قرية بغداد. وبلغوا تكريت يقتلون المقاتلة، ويسبون الذرية ويستاقون الأموال. ودان بهذه الغزوة العراق لسلطان المسلمين كرة أخرى٢.

وتدبر الفرس موقفهم. فما بعد بغداد وساباط وتكريت إلا المدائن، والخلافات عادت جذعة بين رستم والفيروزان، حتى ضج الفرس منهما، وأنذروهما إن لم يجتمعا على حرب المسلمين. وقد استجابا وتشاورا على تنصيب يزد جرد بن شهريار، واجتمع الفرس عليه وتباروا في معونته، وأعدوا العدة للثأر. وعلم المثنى بذلك، فكاتب الخليفة الذي أبطأ رده، فلم يرَ المثنى بُدًّا من أن ينسحب كرة أخرى إلى تخوم شبه الجزيرة، فنزل بذي قار ينتظر مدد الخليفة.

وفي نفس الوقت بدأ يزدجرد حركة عامة للحشد، استعدادًا لمعركة فاصلة فسمي جند الأماكن التي سيطر عليها المسلمون، فثارت هذه الأماكن وكفر أهل السواد، في الوقت الذي خرجت فيه الزحوف من المدائن، واهتزت، الأرض بالمسلمين، وجاءهم أمر الخليفة بأن يتفرق المسلمون بين المياه التي تلي الأعاجم على حدود أرضهم مسالح..


١ الطبري ١/ ٤/ ٢١٩٣-٢١٩٩.
٢ الطبري ١/ ٤/ ٢٢٠٢-٢٢٠٧.

<<  <   >  >>