للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسالح، يغيث بعضهم بعضًا، وكان قد كتب إلى عماله بألا يدعوا فارسًا أو ذا نجدة أو سلاح أو رأي إلا اجتلبوه. وما كاد يعود من الحج حتى وافاه الجند من كل صوب، وخرج فيهم إلى صرار في المحرم سنة ١٤هـ فعسكر بها، لا يدري ما يصنع. وعقد مؤتمرًا عسكريًّا، ضم أولي الرأي الذين أجمعوا على أن يقيم عمر، وأن يبعث رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كسعد بن أبي وقاص وكان على صدقات هوازن وأجمع المسلمون عليه، فسرحه في أربعة آلاف ممن اجتمع إليه. وكانت بعض الجموع قد لحقت قبله بالمثنى، وقد كان بهذا الجيش خلاصة الأمة الإسلامية وقتئذ؛ إذ لم يدع عمر رئيسًا ولا ذا رأي أو سلطة أو نجدة ولا شاعرًا أو خطيبًا إلا رماهم به، فضلًا عن بضعة وسبعين بدريًّا، وثلاثمائة من أبناء الصحابة. وقبل أن يصل سعد مات المثنى متأثرًا بجراحه يوم الجسر ويوم البويب، تاركًا وصيته لخلفه في معالجة الفرس.

واستمرت المكاتبات بين سعد والخليفة ينصحه ويوجهه ويأمره بأن يرسل إلى الفرس من أهل المناظرة والرأي، فاختار قومًا أجلاء، تحدثوا إلى يزدجرد وقواده أحاديث شائقة وبارعة عن روح الإسلام، التي لم يستطع الفرس إدراك أثرها في حياة العرب. وفصل رستم من المدائن في تعبئة كبرى وعدد جنوده زهاء مائة وعشرين ألفًا، وسارت طلائعه حتى وصلت الحيرة فنزلت بها، وسار رستم حتى أتى النجف فعسكر بها، والطلائع تسير أمامه، ولم يزل الجيشان يتقاربان حتى وقف رستم على العقيق، وسعد أمامه.

والتقى الجيشان على الدعاء والمكاتبات حتى خرس صوت المنطق، وأجمع رستم أمره على العبور، وكان سعد قد عبأ جيشه، فأقام بأعلى القصر لمرض كان به، يشرف على المعركة من عل، ويرمي بالرقاع إلى خالد بن عرفطة وهو أسفل منه.

وكان وراء الفرس العقيق، ووراء المسلمين الخندق، وميدان المعركة بين ذلك، وعند الظهر أنشب أهل النجدات القتال، وأشعل الرجاز أوار الحماس. وكان سعد قد أمر الشماخ، والحطيئة، وعبدة بن الطبيب، والمغيرة بن شعبة، وعاصم بن عمرو، وعمر بن معديكرب وغيرهم ليقوموا في الناس بما يحق عليهم، يذكرونهم ويحرضونهم على القتال١.


١ الفاروق، هيكل ص١٦٨.

<<  <   >  >>