للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأقبل أهل فارس عليهم في مثل حماسهم، يلبون نداء من يريدون نزالهم. وكان غالب بن عبد الله الأسدي في مقدمة من خرجوا يبارزون، وأخذ يرتجز، فخرج إليه هرمز فأسره غالب وجاء به سعدًا، ورجع إلى المطاردة. وبينما هو يرتجز طارد فارسيًّا نفر منه. فلقي فارسًا معه بغل، ففر الفارس، فاستاق عاصم بن عمرو البغل والرجل، فإذا الرجل خباز الملك، وإذا في الرحل طعام رستم، فنقله سعد للمسلمين ليأكلوه.

وكبر سعد التكبيرة الرابعة -وكان القراء قد انتهوا من سورة الأنفال- فالتقى الجيشان. وأبلى أبطال المسملين بلاء لم يعرف له نظير. ورأى الفرس بني بجيلة وعليهم جرير بن عبد الله يصولون ويجولون، فوجهوا إليهم ثلاثة عشر فيلًا، حملوا عليهم ففرت خيلهم نفارًا، وبقي الرجال وتكاد الفيلة تبيدهم. ورأى سعد ما أصاب بجيلة، فأرسل إلى بني أسد ليذبوا عنهم، فخرج إليهم طليحة بن خويلد وجماعة من قبيلته، فشدوا عليهم، فما زالوا يطعنونهم حتى حبسوا الفيلة عنهم. لكن الفيلة عادت فحملت عليهم، فأرسل سعد إلى عاصم بن عمرو ليرى رأيه في الفيلة، فنادى عاصم الرماة ليذبوا ركبان الفيلة بالنبل، فاستدبروها وقطعوا وضنها وضربوها بالنبل، فارتفع عواؤها وألقت بركبانها فقتلوا. ونفس عن أسد وعن بجيلة جميعًا، بعد أن قتل من أسد وحدها أكثر من خمسمائة١.

وظل سعد مشفقًا من مصير المعركة؛ لما كان يراه من شدة الفرس وكثرة عددهم وفعال فيلتهم. وانقضى النهار وغربت الشمس والقتال لا يزال حاميًا وطيسه. فلما ذهبت هدأة من الليل رجع الجيشان كل إلى مواقعه، وكل يحسب للغد حسابه، والمسلمون أشد لهذا الغد حسابًا، بعدما نزل بهم في اليوم الأول من كوارث.

فلما تنفس الصبح شغل العرب والفرس بدفن القتلى ونقل الجرحى، وقد دفن المسلمون قتلاهم بالعذيب، ونقلوا الجرحى إلى النساء ليقمن على العناية بهم. وبينما هؤلاء وأولئك في شغل بهذا الأمر كان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص يغذ السير في ستة آلاف من المسلمين الذين فصلوا من الشام تنفيذًا لأمر عمر إلى أبي عبيدة بأن يرد جيش العراق إليه بعد أن ينصره الله بدمشق. فلما فتحت دمشق وانتصر المسلمون بفحل انطلقوا مددًا لسعد، وعلى مقدمتهم القعقاع في ألف من شجعان المسلمين، وعجله هاشم أمامه


١ مروج الذهب ج٢، ص٢٠٥.

<<  <   >  >>