للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليدرك سعدًا قبل فوات الوقت. وأراد القعقاع أن يشد عزائم المحاربين في هذه الوقعة الخطيرة، فقسم رجاله الألف عشر فرق، وعهد إليهم ألا تسير فرقة حتى تكون الفرقة التي سبقتها على مدى البصر، ثم سار على رأس الفرقة الأولى، ثم تقدم الصفوف يستفتح القتال، فخرج إليه بهمن جاذويه، فصاح القعقاع: يا لثارات أبي عبيد!! وانقض عليه فأورده حتفه، وتنشط الناس وهم يرون صنيع القعقاع ولم يروا الفيلة بينهم. وبدأت فرق القعقاع تفد، والمسلمون يكبرون، حتى خيل إلى الفرس أن لا آخر لها، وأبلى القعقاع وأبو محجن الثقفي في هذا اليوم بلاء عجيبًا، فقد حمل القعقاع ثلاثًا وثلاثين حملة يقتل في كل منها رجلًا١. وصنع أبو محجن أفاعيل بالفرس تكاد تكون أساطير.

واتصل القتال إلى منتصف الليل، والمسلمون يرون فيه الظفر. وقد رفه عن المسلمين غياب الفيلة، وأن بني عم القعقاع برقعوا إبلًا وجللوها ودفعوها تحمل على الفرس كأنها الفيلة، فولت خيولهم نفارًا من منظرها، ولقيت منها ما لقيت خيول المسلمين يوم "أرماث" فركبتهم قوات المسلمين، وأعملوا فيها السيوف قتلًا وبترًا. وتنصف الليل والمسلمون يزاحفون عدوهم يريدون إجلاءه عن مواقعه فيصيبون منه ويكثرون القتل فيه، ويكادون يظفرون به لولا كثرة عدده وشدة مقاومته. ولم يجد كل من الفريقين بُدًّا من أن يرجع إلى عسكره، يعيد تنظيم صفوفه؛ ليعود في الصباح إلى الزحف ابتغاء الظفر.

واطمأن سعد ونام، فقد وجد الناس مغتبطين، ينتمي كل منهم إلى قبيلته. أما القعقاع بن عمرو فبات ليله يسرب أصحابه الذين جاءوا معه من الشام إلى المكان الذي كانوا فيه بالصحراء صبح أغواث، وأمرهم أن يقبلوا مائة مائة إذا طلعت الشمس، على نحو ما فعلوه في أمسهم، فإن أدركهم هاشم بن عتبة وجاء بمن معه فذاك، وإلا فقد جددوا للناس رجاء في المدد. وأصبح الناس والجيشان في مواقفهم، وبين الصفين ألفان من المسلمين بين قتيل وجريح، وعشرة آلاف من الفرس. فدفن كل جيش قتلاه ونقل جرحاه. ووقف القعقاع في المؤخَّرة حين طلعت الشمس ينظر إلى ناحية الصحراء، فلما بدأت خيله تقبل كبر وكبر الناس معه. وكان هاشم قد أدرك رجال القعقاع وعرف ما صنع صاحبه، فقسم رجاله فرقًا تتلاحق دراكًا، فبلغ القادسية حين أخذ المسلمون مصافهم


١ المرجع السابق.

<<  <   >  >>