للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للقتال، فلما رآه الناس ورآهم كبر وكبروا معه، واندفع هاشم إلى القلب حتى بلغ النهر وهو يرمي العدو، ثم عاد فكرر فعله فلم يجرؤ أحد على مصاولته. ولم يضعضع هذا من عزم الفرس، فقد أصلحوا توابيت الفيلة واقتحموا بها المعركة. ومنذ طلعت الشمس ورآها سعد تفعل الأفاعيل وتفرق بين الكتائب سأل جماعة من الفرس الذين أسلموا عن مقاتلها. فقالوا: مشافرها وعيونها. وقد تمكن القعقاع وأخوه عاصم من الفيل الأبيض فوضعا رمحيهما في عينيه، وكذلك فعل حمال والربيل بالفيل الأجرب. وهرولت الفيلة فأحدثت هرجًا ومرجًا بين صفوف الفرس، وتواثبت في العقيق وقد ألقت ركبانها، وتخطت الماء مدبرة ولم تعقب.

وواصل الجيشان القتال، وكأنما دار بخواطر الجند من الفرس والعرب ألا يضعوا السلاح حتى يحسم بينهم. وهدأ وطيس القتال حين أقبل الليل، وقدر سعد أن الجيشين سيقضيانه في الاستعداد ليوم رابع، ولكنه خشي أن يأتيه العدو من مخاضة بأسفل العسكر، فأرسل طليحة وعمرو بن معديكرب في جماعة وأمرهما بأن يقيما فيها حتى يأتيهما أمره، وسولت لهما نفساهما أن يخوضاها فيأتيا العدو من خلفه، واختلفا كيف يفعلان، فأخذ طليحة مكانه وراء العسكر، وكبر ثلاث تكبيرات، ارتاع لها أهل فارس فظنوا أن جيش المسلمين أزمع الغدر بهم، وظن المسلمون أن الأعاجم فتكوا برجالهم، فأغار عمرو على جماعة من الفرس أسفل المخاضة، فلم يعد لديهم ريب في غدر المسلمين بهم فزحفوا، ورأى القعقاع صنيعهم فزاحفهم دون استئذان سعد، ولكن سعدًا يطل فيراه يزاحفهم فيقول: اللهم اغفرها له وانصره، فقد أذنت له وإن لم يستأذني، وتبعه المسلمون دون انتظار لتكبير سعد، واستقبلوا الفرس بالسيوف وخالطوهم. فكان للسيوف قعقعة، والمقاتلون لا يتكلمون بل يصيحون، والقتال يشتد ويحمى وطيسه كلما تقدم الليل. وبات الجيشان يقتتلان أشد قتال وأقساه، ولم يغمض لأحد من الجند تلك الليلة جفن. فلما أصبح الصباح جعل المسلمون ينتمون إلى قبائلهم، ولم يكن النصر قد عقد لواءه لأحد من الفريقين، وسار القعقاع في الناس يقول: إن الدائرة بعد ساعة لمن بدأ القوم، فأصبروا ساعة واحملوا، فإن النصر مع الصبر، فحمل المسلمون حتى الظهيرة في جلاد باسل، حتى بدأت صفوف الفرس تضطرب وتراجع الفيرزان والهرمزان في المجنبتين، فانفرج القلب وهبت ريح أطارت طيارة رستم إلى العتيق، وزحف القعقاع بمن معه إلى

<<  <   >  >>