للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سريره، ففر رستم إلى النهر واقتحم وراءه نفر من فرسان المسلمين، وصَعِدَ أحدهم على سريره يصيح: قتلت رستم ورب الكعبة!! إليَّ إليَّ، وطاف به الجند يهللون ويكبرون. وأسقط في يد الأعاجم ووهنت قوتهم، وانهد ركنهم، وقام الجالينوس يعبر بقومه النهر، لكن الردم انهار بهم في النهر، فغرق بانهياره ثلاثون ألف فارس مقترنين بالسلاسل، وانهزم جيش الفرس وانطلقت فلوله يولون الأدبار.

وأمر سعد فخرج القعقاع وشرحبيل وزهرة بن حوية يتعقبونهم، وأدرك زهرة الجالينوس يجمع المنهزمين فقتله. وجعل المسلمون يقتلون من يلونهم من الفرس ويأسرونهم دون مقاومة وجمع الناس الأسلاب والأموال، فإذا هي شيء لا يحيط به خيال عربي، حتى لقد بلغ عطاء الفارس ستة آلاف، والراجل ألفين. وزاد أهل البلاء كل واحد منهم خمسمائة -فضلًا عن الخمس- وما بقي بعد ذلك كثير، نحاه سعد ليبعث به إلى المدينة، وأمر عمر بتوزيعه فيمن لحق بسعد ولم يشهد الموقعة، وفي حملة القرآن.

وهكذا انتهت المعركة إلى النصر الحاسم، حين كان الناس في كل الأرجاء من شبه الجزيرة يتطلعون ببصائرهم وقلوبهم إلى ناحيتها، وهم على أحر من الجمر شوقًا لمعرفة أنبائها من العذيب إلى عدن، ومن الأبلة إلى بيت المقدس، يتربصون وقعة القادسية، يرون أن ثبات ملكهم وزواله بها، وقد بعث أهل كل بلدة قاصدًا يكشف ما يكون من خبرهم١.

انطلق المسلمون في وادي العراق من أعلاه إلى أسفله، فعاد الناس جميعًا إلى طاعتهم، معتذرين عن ولائهم للفرس بأنهم غُلبوا على أمرهم، وسعد يعذرهم تألفًا لهم، وحرصًا على أن تسود الطمأنينة ربوعهم. فأقلبت قبائل العرب المنتشرة فيما بين النهرين يعلنون إيمانهم بالله وبرسوله. وقد مكث سعد بالقادسية شهر المحرم سنة ١٥هـ، وارتحل في نهايته بجيشه الذي أصبح معظمه فرسانًا لكثرة ما غنموا من الخيل، ولقيتهم في سيرهم فلول القادسية، وعليهم الهرمزان فهزمهم المسلمون. وبلغ سعدًا تجمع فلول الفرس ببابل، فسار إليهم وهزمهم. وأقام ببابل حيث سير من هناك مقدمته مع زهرة بن حوية إلى بهرسير أو المدائن الدنيا على شاطئ دجلة الغربي، فحاصرها شهرين وفتحها الله


١ الطبري ١/ ٥/ ٢٢٦٤.

<<  <   >  >>