للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم، ففر أهلها إلى الجهة الشرقية حيث المدائن القصوى -معقل الساسانيين وعاصمتهم- وأصبح من المحتم على زهرة أن يعبر دجلة، واستطاع بمعاونة بعض أهل البلاد أن يصل إلى مخاضة عبر خلالها المسلمون خوضًا، وفي سرعة أذهلت أهل المدائن، الذين فوجئوا بالمسلمين دون أن يروا سفينًا يقلهم إليهم، فتركوا المدائن وفروا، وكان يزدجرد قد سبقهم بالفرار إلى حلوان، وفي المدائن غنم المسلمون أموال كسرى وخزائنه وجواهره١.

وبفتح المدائن تنتهي المرحلة الثانية في هذه الفتوح، من الخطة التي رسمها أبو بكر، وتبدأ المرحلة الثالثة.

المرحلة الثالثة:

أقام المسلمون بالمدائن ما يزيد على سنة، لاحظ خلالها الخليفة عمر انتفاء التواؤم بين المسلمين وبيئتهم الجديدة هذه، فكان أن أمر بارتياد الأرض، وباختطاط البصرة والكوفة. وقد تم للمسلمين تمصير الكوفة في المحرم من سنة ١٧هـ. وكانت أول أمرها مبنية بالقصب، وبنيت بعد ذلك باللبن بعد تعرضها للحريق. وفي نفس العام بنيت الأبنية بالبصرة التي كان المسلمون قد نزلوها في أواخر سنة ١٣هـ وأوائل سنة ١٤هـ، ولم يتم تخطيطها إلا مع الكوفة.

ومنذ هذا التاريخ صارت الكوفة والبصرة مركزين حربيين، تفصل منهما الجنود لحرب الفرس، وصار لكل منها جند خاص، ومناطق بعينها يناط بها فتحها وتنسب إليها. وصار المسلمون يفدون على عمر يشكون ضيق منازلهم بهم، ويطلبون السماح لهم بضم مناطق بعينها إليهم دون غيرهم٢.

وتكاد الفتوح في أطراف فارس تكون نتيجة مجهودات أهل هذين المصرين، بالإضافة إلى البحرين التي انطلق منها المسلمون لغزو فارس وكرمان، وكان أول ذلك عمل العلاء الحضرمي، في مغامرته التي عضده فيها أهل البصرة في طاوس٣، ثم في موقعة أصطخر التي تولاها الحكم بن العاص أواخر عهد عمر، وتمخض عنها فتح كرمان٤.


١ الطبري ١/ ٥/ ٢٤٣٤.
٢ الطبري ١/ ٥/ ٣٥٣٨.
٣ الطبري ١/ ٥/ ٢٥٤٥.
٤ الطبري ١/ ٥/ ٢٦٩٨.

<<  <   >  >>