للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي ضوء هذا الفهم الوظيفي، يذهب طه حسين إلى تيسير الكتابة والنحو تيسيرًا يفيد في الاستخدام العملي الوظيفي للغة العربية وألفاظها وتركيب جملها، وتأليف الكلام "على نحوٍ عمليٍّ منتجٍ"١، هو ألزم ما يكون في الاتصال الصحفي بالجماهير, الذي "يحقِّقُ لهم الصلة اليومية بينهم وبين الذين يشاركونهم في الوطن والمصالح, أو بينهم وبين الذين يشاركونهم في الحياة الإنسانية بوجه عام"٢.

ومن ذلك يبين دور اللغة في التبسيط والنمذجة الصحفية في فنِّ المقال الصحفي، الدور الذي يقتضي توافر: الوضوح لقصد الإفهام, والقوة لقصد التأثير, والجمال لقصد الإمتاع في أسلوبه العام، فالتبسيط والوضوح ضمان من حيث الإفهام، وإفادة القراء ورفع مستواهم الثقافي. ولذلك يذهب طه حسين إلى مطابقة الأسلوب الصحفي لمقتضيات الاتصال بالجماهير مطابقة تقوم على الفهم عند القراءة أو السماع٣, ولذلك يسخط على الكُتَّابِ المتكلفين -كما تَبَيَّنَ من معركته مع الرافعي- سخطًا شديدًا لما يتسمون به من غموضٍ مصدره الجهل أو الغفلة٤، ذلك أن طه حسين في تحريرمقاله، كما يقول دائمًا "باحث يحاول أن يفهم، ويحاول أن يدعو غيره إلى الفهم والاستقصاء"٥.

ولتحقيق هذه الوظيفة، يتوسَّلُ طه حسين بالتبسيط والنمذجة الصحفية كما تَقَدَّمَ، وتقوم هذه النمذجة على انتزاع بعض الصفات وتحريرها من سباقها العام، ثم إبرازاها وإلقاء الضوء عليها٦ من خلال الحركة والتفصيل والتنغيم والمقابلة والتضاد، وتلاحظ في هذا الصدد أن طه حسين يبدأ مقاله في معظم الأحيان بتعريف الموضوع في بيئته وزمانه، ثم يعرُج على تخطيط كامل لملابساته, ولا يلبث أن يعرض لكل احتمالات الصعوبة في تحديد بعض النماذج, ثم يتلوها ببيان كامل لكافَّة الجزئيات المنتزعة، والمناسبات التي لا يحسن إغفالها, وكأنما يتصوَّر النماذج في تجسيمها المساحي دفعة واحدة, وسنجد هذه السمات تصل إلى درجة التصوير الكاريكاتيري، كما سيجيء عند الحديث عن المقال الكاريكاتيري، حين يتوسَّلُ بالمبالغة والسخرية والأطراف في النمذجة الكاريكاتيرية، كما في "نموذج" "سيدنا" في "الأيام"، ونموذج المندوب السامي البريطاني الذي اختارته بريطانيا ليخلف "السير برسي لورين"


١ المرجع السابق.
٢ من مقدمة الدكتور طه حسين لكتاب "هذه صحافتنا بين الأمس واليوم" للأستاذ جلال الدين الحمامصي.
٣ من أدبنا المعاصر ص ١٦٩.
٤ حديث الأربعاء جـ٣ ص١٠١-١٢٣.
٥ المرجع نفسه ص٢٠.
٦ الدكتور إبراهيم إمام: مرجع سبق ص٤٧.

<<  <   >  >>