للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ما أكثر ما عني الشعراء وأصحاب الفن بابتسامات الأفراد هذه، فأبدعوا وأجادوا وأظهروا للناس آيات فنية خالدة، وما أخلقهم أن ينظروا إلى ابتسامات أخرى ساخرة, هي أروع من تلك الابتسامات وأجمل، وهي أشد منها وقعًا في القلوب وأبعد منها أثرًا في النفوس؛ لأنها ابتسامات تترجم عن سخرية الشعوب من قوة الأقوياء وازدراء الأمم لسلطان المتجبرين, في هذه الابتسامات الشعبية جمال الصبر والجلد، وجمال العزة والشمم، وجمال الثقة والأمل، ومنها فوق هذا كله وبعد هذا كله جمال التضامن الصادق١.

فهذه الصورة التي يتوسَّل في تصويرها بإحساسه الفني لا تنفصل عن الواقع الملموس لحركة الأحداث: "ما أجمل هذه الابتسامات وقد ارتسمت على ثغر مصر منذ نهض رئيس الوزراء بأعباء الحكم, فما زالت مرتسمة على هذا الثغر لم تفارقه ولم تتحوَّل عنه, ولم يشبها عبوس، ولم يغيِّر من صفائها وجمالها تقطب ولا شحوب. لقد نظرت مصر إلى صدقي باشا حين ألَّفَ وزارته ففهمت ما كان يريد، فابتسمت له مشفقة عليه تعظه وتحذره، ولكنه أخطأ فهم هذه الابتسامة.. إلخ"٢.

ويتوسَّلُ طه حسين بالنمذجة الصحفية في مقاله كذلك لترجمة المصطلحات الجامدة المجردة المعقدة إلى مصطلحات الواقع العملي النابض بالحياة، شأنه في ذلك شأن الكُتَّابِ الذين عالجوا الكثير من المدارس الفنية والفلسفية والعلمية الحديثة رغم صعوبتها بمصطلحات الفنِّ الصحفي فأمكن نشرها بين الجماهير٣. ذلك أن طه حسين يتوسَّلُ بالنمذجة من أجل التبسيط، لتوصيل هذه المعلومات إلى الجمهور بطريقة مفهومة مستساغة، كما نجد في تبسيطة لفلسفة ديكارت٤ وأدب فاليري٥ وفولتير٦ والأدب الفرنسي الحديث٧ والفلسفة الوضعية٨, وكما نجد في نموذجه للعدل الاجتماعي ومكانه بين الاشتراكية والرأسمالية٩، والالتزام عند سارتر١٠، و"الأدب المظلم"١١.. إلخ. ولعلَّنَا نستطيع أن نذهب تأسيسًا على هذا الفهم


١ كوكب الشرق في ٢٥ مارس ١٩٣٣.
٢ المرجع نفسه.
٣ الدكتور إبراهيم إمام: مرجع سبق ص١١.
٤، ٥ الكاتب المصري في أكتوبر ١٩٤٥.
٦ الكاتب المصري في ديسمبر ١٩٤٥.
٧ الكاتب المصري في أبريل ١٩٤٦.
٨، ٩ الكاتب المصري في مايو ١٩٤٦.
١٠ الكاتب المصري في أغسطس ١٩٤٦.
١١ الكاتب المصري في مارس ١٩٤٧.

<<  <   >  >>