للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شملت كل شيء١. لم يحل دون المقال الصحفي وبين أداء وظائف النقد والتوجيه والإصلاح حين أراد أن "يمسَّ الأمور العامة"٢.

ومن ذلك يبين أن الرمز في مقال طه حسين قد أصبح وسيلة من وسائل "مراوغة الرقيب" إن جاز هذا التبعير، في موافاة القرَّاء بالحقائق الكاملة الصحيحة والصادقة عَمَّا جرى من أحداث. ذلك أن الرقابة على الرغم من أنها "تَحُدُّ من حرية الصحافة"٣ فإن الفضل يرجع إليها في إنشاء هذا الفن الرمزي في المقال الصحفي، كما استحدثت صياغة خبرية رمزية. وكما أدَّى الاضطهاد الديني والسياسي إلى توسُّلِ الأدباء في عصور مختلفة بمذاهب شتَّى في مقاومته على أيِّ شكل من أشكاله، كما نجد في القصص على ألسنة الحيوان، في "كليلة ودمنة" لابن المقفع، وغيرها من صور النقد السياسي التي حفظها لنا التاريخ.

ويتوسَّل طه حسين في نقد الحكومة والمجتمع، بالأسلوب الرمزي في "جنة الحيوان" التي يحاسب فيها الحكام والمحكومين على السواء، ويوجِّهُ النقد والتوجيه والإصلاح في هذا الأسلوب، على الرغم من الظروف السياسية التي تَحُولُ دون النقد والتوجيه، مستعينًا بذكائه وأسلحته الفنية في الوصول إلى غرضه الصحفي، ذلك أن من حق الناس جميعًا، كما يقول طه حسين، أن "يضيقوا بالرقابة وبالأحكام العرفية؛ ولا سيما حين يتَّصِلُ الخضوع لها والاكتواء بنارها"٤. ولذلك يواجه إلى ذلك "أشياء أخرى لعلها أن تكون أبعد من ذلك أثرًا في إشاعة القلق والريب"٥، كنتيجة لخضوع المصريين, وما تقتضيه من هذه الأحاديث المتناقضة التي يكذِّبُ بعضها بعضًا, والتي تُذَاع في الراديو كل يوم، وما تقتضيه من هذه الإشارات الغامضة التي تُنْشَر في الصحف والمجلات حتى تَعَوَّدَ الناس أن يسمعوا النبأ فلا يصدقوه، أو أن يسمعوا النبأ فيستنطبوا منه غير ظاهره, وربما استنبطوا منه نقيضه، وحتى تَعَلَّمَ الناس أن يقرأوا بين السطور, وأن يسمعوا بين السطور، إن أمكن أن يسمع الناس بين السطور"٦.

ومن أجل ذلك، يذهب المقال الرمزي إلى مواجهة خطوب ثِقَالٍ في حياة المصريين العامة والخاصة٧، كأهوال الحرب، ومصاعب الحياة الاقتصادية، والتغييرات السياسية، والبؤس والحرمان اللذين ينتهيان إلى الجوع والشقاء


١، ٢ المرجع السابق ص٨١.
٣ فيل أولت "ترجمة أحمد قاسم جودة" وراء الأخبار ليلًا ونهارًا ص ١٥٨.
٤، ٥ بين بين, ص٨١، ٨٢، ٨٣, مرجع سابق.
٦، ٧ المرجع السابق ص٨٣.

<<  <   >  >>