للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في بعض الطبقات "كل ذلك خليق أن يعقد منافع الناس أشد التعقيد، وأن يقوي الأثرة في نفوس الأفراد والجماعات، وأن يضطر كل واحد من أفرادهم, وكل جماعة من جماعاتهم, إلى الاحتياط للنفس، والاستكثار من الخير, والاستعداد للمستقبل، والتَّحَفُّظ من الطوارئ, والتخلص من المشكلات، والنفوذ من الخطوب"١. ويعالج المقال الرمزي ما ينتج عن ذلك من أسباب "تشل الضمير المصري في هذه الأيام وتوشك أن تدفعه إلى خطر عظيم"٢.

ويشخص المقال الرمزي في صحافة طه حسين، إلى جانب ما تَقَدَّمَ "ظاهرة خطيرة مؤلمة حقًّا، وهي أن رأي الناس قد ساء في الناس, فلا تكاد تذكر رجلًا حائر الضمير حتى يحسُّ كثير من الناس أنه المعني بهذا الضمير الحائر٣، ومصدر ذلك في مقال طه حسين أنَّ النماذج التي يصورها للضمائر القلقة الحائرة تجد ذلك فيما بينها وبين نفسها في شيء من الحيرة٤.

فلا يكاد يعرض في "جنة الحيوان" صورة الرجل الذي يشبه "الثعبان"٥, أو الذي يشبه "الثعلب"٦, أو يشبه "ما شاء الله من هذا الحيوان المقيم في حديقة الحيوان حتى يحسّ كثير من الناس أنه هو المعني بهذه الصورة, المراد بهذا الاسم"٧.

فالثعلب -في المقال الرمزي، ثمرة من ثمار الصراع الحزبي، ونشأة "الفرص الكثيرة التي ينتهزها الأذكياء ليستفيدوا من صراع الأحزاب, ونَظَرَ الثعلب ذات يوم فإذا الحياة المصرية كلها تلقي في نفسه أنه قد خُلِقَ للفوز, وأن الفوز قد خُلِقَ له؛ لأن الحياة المصرية لم تكن في وقت من الأوقات ملائمة لخفة الثعالب ورشاقتها وذكائها ونَهَمِهَا منها في هذه الآيام. وما ينبغي لمن يريد الفوز في هذه العواصف العاصفة, وفي هذه المصالح المشتبكة, والخصومات المتصلة, والمنافع المعَقَّدَة, إلا أن يكون فطنًا، وصاحبنا أخف من النسيم، ماكرًا، وصاحبنا أمكر من المرأة صامتًا، وصاحبنا أشد صمتًا من الصخرة الصماء"٨ ... إلخ.

ويتوسَّل طه حسين في نمذجة "الثعبان" بالتسمية القديمة له "الشجاع"٩ التي لا تدل "على الرجل الذي يصبر نفسه على المكروه ويجشمها


١ المرجع نفسه.
٢ المرجع السابق ص٨٣.
٣ المرجع نفسه ص٨٣.
٤ المرجع نفسه ص٨٣.
٥، ٦ جنة الحيوان ص٢٩، ٦٨.
٧ بين بين ص٨٣.
٨، ٩ جنة الحيوان ص٣٤، ٤٥، ٦٩.

<<  <   >  >>