للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهول في سبيل ما يتمُّ مروءته"١، وإنما تدل على "الحيَّة التي تستخفي في جحرها لا تكاد تظهر منها إلا رأسها الدقيق, وتظل على حالها هذه مستخفية مطرقة، حتى إذا مكَّنَتها الفرصة ووجدت مساغًا لنا بينها لم تضيعها, وإنما عَضَّتْ فصمَّمَت كما يقول الشاعر, وبلغت من عضتها وتصميمها ما تريد"٢.

ويفصح المقال عن هذا المرز في نهايته حين يقول: ... ولكن عهد مصر بالشجعان الإنسية قريب فيما يظهر، وهو على قربه خصب بعيد الأثر، فقد كثرت شجعان الناس في مصر منذ اضطربت السياسة وتلاحقت الخطوب ومكر بعض الناس ببعض وكَادَ بعضُ النَّاس لبعض، وتوشك مصر أن تُعْرَف بشجعان "الناس" كما عُرِفَت بشجعات الحيَّات٣.

ومن ذلك يبين وضوح الرمز في النمذجة المقالية، الأمر الذي يجعل من العسير "إقناع القراء بأن الكاتب إن عرض صورة بعينها فهو لم يُرِدْ شخصًا بعينه، ولعله يكون قد كوَّن صورته هذه من أشخاص كثيرين يأخذ من أخلاق كلِّ واحد منهم طرفًا, ثم يضيف هذه الأطراف بعضها إلى بعض فينشيء منها صورة قد تعجب أو لا تعجب, ولكنها لا تخلو من عبرة وموعظة. ولعلها أن تحمل الناس على أن يصلحوا من أمورها ويخفوا من شرورهم"٤.

فالنمذجة الرمزية تقوم على الوظيفية الهادفة والوضوح والتبسيط، فمن "وجد في نفسه شيئًا من أخلاق الثعبان أصلحه وأخفاه؛ فكف شرَّه عن الناس قليلًا أو كثيرًا"٥ وقُلْ مثل ذلك فيمن "يجد في نفسه شيئًا من خصال الثعلب, أو من خصال العقرب, أو من خصال الذباب. والله قد خلق الأشياء كلها لتكون موضعًا للعظة، ومصدرًا للعبرة، ووسيلة إلى اكتشاف الحق والخير والجمال وليدل عليها، وليستكشف الباطل والشر والقبح ويرغب عنها. فليكتب الكُتَّاب، وليقرأ القراء، وليسأل السائلون، وليجب المجيبون، فليس بشيء من هذا كله بأس"٦. وإنما يجب أن يتعاون المصريون جميعًا، في مقال طه حسين، على علاج واستئصال "هذا القلق الذي شمل الضمير المصري، والذي يوشك أن يدفعه إلى أكثر من السؤال والجواب"٧.

ونخلص من ذلك إلى أن الرؤيا الوظيفية في مقال طه حسين، هي التي تجعل هذا الأسلوب الرمزي في التحرير، أسلوبًا من أساليب المقال الصحفي، يقوم على الاتصال الوثيق بالقراء ومشكلاتهم وحياتهم الواقعة، في أسلوب


١ جنة الحيوان.
٢، ٣ المرجع نفسه ص٦٩، ٧٤.
٤، ٥ بين بين ص٨٥.
٦، ٧ بين بين ص٨٥.

<<  <   >  >>