الدكتوراه في مصر، واحتكاكه بالحياة الفرنسية مباشرة لفترة وجيزة، فاتسمت هذه اليوميات بتفكيره في تلك الفترة، ونظرته إلى الحياة، ومن هذه اليوميات التي نُشِرَت في "السفور" نقدِّم النماذج التالية:
"٥ نوفمبر ١٩١٥"
"تريدونني على أن أكتب أيها الأصدقاء, ولقد علمتم ما لي بالكتابة من طوق, ولا إلى الإجادة من سبيل، ماذا تريدون من رجل لم يكدْ يأنس إلى حياة النور والهدى حتى ردَّته الأقدار إلى حيث الظلمة الداجية والضلال المبين، ماذا عسى أن تصنع بذكائنا في بلد قانع كمصر، قد رضي أهله بالقليل في كل شيء, فحسبهم من العلم والأدب ومن الفلسفة والحكمة، ألفاظ يلوكونها وجُمَل يرددونها بين الشفاة.
"يا عجبًا كل العجب، يعود الناس إلى بلادهم بعد الغربة فرحين، ولقد عدت إلى مصر أسفًا محزونًا، ولقد أستحي أن أقول الحق فأعلن أني استقبلتها باكيًا..".
"١٤ نوفمبر ١٩١٥"
"ليس لي ماضٍ أنعم بذكره، ولا مستقبلٍ ألهو بالتفكير فيه، ولكن لي حاضرًا يهيج في قلبي ألوانًا من الحزن، ويغري بنفسي فنونًا من الأسى، ذلك الحاضر هو هذه الساعة, أذكر في هذه الساعة ثلاثة أيام، يوم ولدت، ويوم سافرت إلى أوروبا، وهذا اليوم"..
"في مثل هذا اليوم ولدت منذ ست وعشرين سنة، وفي مثل هذا اليوم سافرت إلى أوربا منذ سنة واحدة، وأنا الليلة في القاهرة, أرجو ألا يصبح عليّ الغد إلّا وقد رحلت إلى حيث لا يرجع طاعن ولا يرجى لمرتحل إياب. لا تصبح أيها الليل عن هذا الغد. تلك الأشهر التي أمضيتها في فرنسا هي التي جعلت ليوم ميلادي في نفسي قيمة ما، فقد رأيت قومًا ليس فيهم من لا يتخذ هذا اليوم لنفسه عيدًا.
"لم يجب الله دعائي فقد أشرقت عليَّ شمس يوم الأحد، ولو قد أشرقت عليَّ هذه الشمس في غير هذا البلد لكنت حريًا أن ألقى من أنواع البشر وألوان الابتهاج ما يَسُرُّ هذه النفس الحزينة, ويسلي عن هذا القلب الكئيب، ولكنها قد أشرقت عليَّ في مصر, فأقسم ما لقيت طول اليوم شيئًا يسر، ولقد لقيت كثيرًا مما يسوء، حيَّا الله وفاء فرنسا وبرها في هذين الشخصين يذكرانني من وراء