للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في النبأ الذي يتناوله بالتحليل, من حيث إنه يمثل عنصرًا في حركة الأحداث، والمقدرة على الكتابة والتحرير، على ما نعلمه عن طه حسين، أنه من أقدر الكُتَّاب الصحفيين على التعبير عمَّا أراد أن يقوله، وعلى التفنن في ابتداع أشكال فنية جديدة للتعبير في المقال، كما تبيَّن مما تقدَّم، وكما يبين من هذا الجزء الذي نتناول فيه فنًّا مقاليًّا جديدًا في صحافة طه حسين.

ومهما يكن من أمر الموضوعية في الفن الصحفي، فإن الكاتب في طريقة التحليل الصحفي سيظل داخلًا -نسبيًّا- في المجال الذاتي، لاعتماده على "التقويم" و"تدوي" الأخبار، سيظل الأمر كذلك, سواء كان المقال التحليلي بناء مؤسسًا على التحليل الموضوعي الركين، يقيمه كاتب عارف عاقل، أو كان نزوة لا محل لها.

أما المضمون الرئيسي الآخر في التحليل الصحفي, فهو تطوره في اتجاه ديمقراطيٍّ يركِّز على توضيح الحدث الجديد، كالتحليل الإخباري أو "التعليق", وهي نوعيات تتجاوز عنصر "التقويم", وإن كانت لا تستطيع تجاوز عنصر "التذوق الخبري"، ولكنها على أيّ حال تسعى إلى ألا تتضمَّن رأيًا يطرحه كاتب التحليل. ذلك أن تحليل "حالة خبرية عامة" في ضوء أحداث محددة، يحمل في العادة أكثر من وجهة، يمكن أن يتجه إليها الاجتهاد١.

ومهما يكن من شيء، فإن "التحليل الصحفي" -خلافًا "للنبأ", لا بُدَّ أن يحتوي على "رأي" و"حكم"، أي: لا بُدَّ من توفُّر عناصر "التقويم" و"التقدير" و"التذوق" التي تجعل التحليل لا يقتصر على موضوعية النبأ وحدها، ولكن على موضوعية الكاتب التحليلي في نهاية الأمر. ولا يغض هذا العنصر "الذاتي" الناجم عن وجود رأي للمحلل من الحدث, "بل يجوز القول أن قيمة التحليل تزداد كلما كانت لهذا، "العنصر الذاتي" أصالة وخروجًا على المألوف٢.

وعند طه حسين، سبق أن تبين لنا تحمُّسه لطريقة "التقويم" في المقال النقدي، وهي الطريقة التي تميز تحليله الصحفي اعتمادًا على ثقافته العريضة والمتعمقة في بعض المجالات, مما يسعف التحليل في فهم حركة الأحداث وسيرها، كما تعتمد هذه الطريقة على تحليل ملابسات الحدث أو الخبر، بحيث يذهب التحليل إلى الفهم ووزن ما يحلله، إلى أن التحليل الصحفي عند طه حسين يقوم على نقدٍ عقلي لحركة الأحداث القابلة لأن تُصَاغ صحفيًّا، كما يقوم على نقدٍ عقلي للدوافع التي تكمن وراء الخبر أو الحدث ليتمكن في نهاية مقاله التحليل من "تقويم" الحدث، وتقديم حكمه النهائي، وهو حكم فريد قد يكشف عن طبيعته العامة. على أننا نجد أن غاية هذه الخطوات الأربع الأولى هي تحديد


١، ٢ الحمامصي المرجع السابق ص٢٦٠.

<<  <   >  >>