للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المجال الذي سيتحقق فيه "التقويم" أو الحكم القاطع الفريد، وتضييقه قدر المستطاع. ويتحدد مجال "التقويم" بالدوائر الثلاث التي يتداخل بعضها في بعض في "المقال الرئيسي" بصفة عامة، ونعني بهذه الدوائر الثلاث: سياسة الجريدة, وصياغة المقال، واهتمام القراء. ذلك أن "التقويم" في المقال التحليلي يتصور هذه الدوائر الثلاث في تحريره دائمًا، حتى يبلغ الدرجة التي تسعى إليها الصحيفة، ويتطلع إليها القراء.

ومن الوجهة المنطقية, فإن المقال التحليلي يبدأ بالنبأ الجدي المطلوب إجراء تحليل عنه أو حوله، ويتسع التحليل من هذه النقطة ليواجه هذا النبأ بأنباء أخرى داخل سياق حركة الأحداث عمومًا في أكثر من اتجاه. ويمكن للباحث تحديد هذه الاتجاهات في المقال التحليل عند طه حسين من خلال أهداف ثلاثة.

١- مقابلة النبأ الجديد بمعلومات وأنباء تنتمي إلى نفس القضية:

أي: مقابلة وقوع النبأ الجديد بأنباء تخص نفس القضية في الماضي وتنتمي إليها، ونجد نموذج هذا الاتجاه في بناء مقال بعنوان يوحي بنتيجة منطقية هو: "إذن فقد استقالوا١" يقول في مقدمته:

"إذن فقد كانت الوزارة جادة لا لاعبة حين رفعت استقالتها إلى جلالة الملك, كانت جادة لا لاعبة؛ لأنها أصرَّت على هذه الاستقالة, ولأن هذه الاستقالة قبلت؛ ولأن المناصب خلت من أصحابها. كانت الوزارة جادة إذن, كانت مستقيلة حقًّا. بينما كنا نحن نستنكر هذه الاستقالة, وننصح للوزارة أن تسردها؛ لأننا لا نفهمها ولا نستطيع تعليلها، وكنا نرجِّح في أنفسنا أن هذه الاستقالة لم تكن جدًّا, وإنما كانت ضربًا من مداعبة وزارة الشعب, ومن تمنع الشعب على الشعب بعد أن فرَّطت وزارة الشعب في حقوق الشعب٢.

وعلى الرغم من أن الغرض الأساسي في هذا التحليل هو النزال الصحفي، إلّا أننا نجد هذا المقال يقوم على خبر استقالة الوزارة النسيمية، ثم يتوسّل بالتحليل الصحفي في مقابلة هذا النبأ بأنباء تنتمي إلى نفس القضية، أي: الوزارة النسيمية، وهذه الأنباء تمثل حالة خبرية ماضية, أو موقفًا سابقًا على الخبر الجديد. يقول:

"كنا نظن ذلك ونرجحه, وكان كل شيء يحملنا على أن نظن ذلك


١ السياسة في ١١ فبراير ١٩٢٣.
٢ المرجع نفسه.

<<  <   >  >>