للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونرجحه. فنحن لم نعرف لوزارة الشعب موقفًا صريحًا بإزاء الشعب, ولم نسمع من وزارة الشعب كلمة صريحة تُلقى إلى الشعب, وإنما كنا أمام قوم صامتين لا يتكلمون إلا رموزًا وإيحاء, وإذا اصطنعوا كلمةً فهم لا يُدلون بها على معناها المعروف, وإنما يدلون بها على الألف معنى ومعنى؛ على معاني كثيرة منها ما يفهمها الناس ومنها ما لا يفهمون. كنا بإزاء قوم واقفين لا يكادون يتحركون.. فإذا تحركوا فمن وراء ستار, وفي احتياط لا يعدله احتياط, وحذر لا يشبهه حذر. فكان من حقنا بل من الحق علينا أن نظن الظنون, وأن نسمع الألفاظ فنذهب بها كل مذهب, ونسلك في فهمها كل طريق.

"قالوا: سنذهب إلى لوزان, فدلت التجربة على أنهم لن يذهبوا, ثم قالوا: نحن مستقيلون, ففهمنا أن الأمر في هذه الجملة كما كان في غيرها من الجمل التي اشتبه الأمر فيها على الناس جميعًا حتى الراسخين في العلم. ظننا إذن أن القوم غير مستقيلين, وأنهم يتمنعون ويريدون أن يقسم الناس عليهم غلاظ الإيمان ومحرجاتها, وألححنا عليهم الإلحاح كله, وطلبنا إليهم أن يثبتوا وألا يستقيلوا. ثم ظهر أن كثيرًا من الناس يشاركوننا في هذه الأيمان, وفي هذا الإلحاح, فيطلبون إلى رئيس الوزراء أن يبقى, وإلى جلالة الملك أن يستبقيه, وإلى الصحف أن تعين على هذا البقاء والاستبقاء. ولكن وزارة الشعب أبت أن تبقى للشعب, فورطت هذا الشعب ثم انصرفت عنه, وتركته حائرًا لا يدري ماذا يفهم, ولا كيف يتأول, ولا كيف يقول١"؟.

٢- مقابلة الأنباء المتعلقة بقضية معينة بأنباء ومعلومات تخفي قضايا أخرى ملازمة أو غير ملازمة لها زمنيًّا:

أي: مقابلة النمط الخبري الذي ينطوي عليه النبأ الجديد، بأنماط خبرية مشابهة له, أو متعارضة معه، أو تثير مقابلتها له مفارقات معينة تساعد في استخلاص دلالات معينة.

ويقوم هذا الاتجاه التحليلي أساسًا عند طه حسين على ثقافته العريضة, ومصادرها التي تتيح للتحليل أن يقابل الجديد في المجرى العام للأحداث, بحالات خبرية عامة تثير مقابلتها المفارقات التي تيسر استخلاص الدلالات، ومن ذلك المقال الذي كتبه "بمناسبة" عيد الثورة في مصر ٢، والذي يمكن أن نتصوّر بناءه التحليلي على النحو التالي:


١ المرجع نفسه.
٢ جريدة الجمهورية في ٢٢ يوليو ١٩٦٠.

<<  <   >  >>