للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذا النموذج التحليلي يبين أن طه حسين قد انطلق في تحليله الصحفي من نبأ جديد، وهو نبأ الاحتفال بعيد الثورة المصرية في سنة ١٩٦٠، ويستهلّ مقاله بمقدمة تمهيدية تمهّد لاستخلاص دلالات جديدة له بمقابلته, واستخلاص النتائج المترتبة على مواجهته بأية حالة من الحالات الخبرية العامة السابقة عليه أو الملازمة له زمنيًّا، وهذه الحالات كما يبين من النموذج المتقدِّم: مقابلة الثورة المصرية بالثورة الفرنسية١، ثم مقابلة الثورة المصرية "هذه الأنباء التي تذاع في أقطار الأرض معلنة تحرر الشعوب من الاستعمار والاستبداد والظلم"٢, واستخلاص دلالة من هذه المقابلة تذهب إلى أن "تحرر هذه الشعوب واستقلالها واستمتاعها بالحرية والكرامة والعزة, كل ذلك إنما هو أثر من آثار ثورتنا هذه٣. ويقول معقبًا على ذلك: "فقد كنت موقنًا حين كتبت ما كتبت في الأهرام أن لنا جيرانًا في آسيا وفي القارة الأفريقية, وأن أنباء ثورتنا ستصل هؤلاء الجيران, وأنهم سيعلمون كثيرًا من نتائجها, وسيفرحون لنا وسيغبطوننا, وسيتمنون لأنفسهم مثل ما أتيح لنا من الثورة, أو شيئًا قريبًا مما أتيح لنا".

"كنت أذكر تونس والمغرب الأقصى، وكنت أذكر العراق، وكنت أذكر المستعمرات الفرنسية في القارة الإفريقية. وكنت أقدر أن إخراج الملك المستبد من مصر, وأن الإصلاح الاجتماعي الذي بدئ به في مصر، وأن جلاء الجنود البريطانيين عن أرض مصر الذي ستجد فيه الثورة حتى تبلغه.. كنت أذكر أن هذا كله سيقع من قلوب جيراننا القريبين منا والبعيدين عنا مواقع الماء من ذي الغلة الصادي.. كما كان القدماء يقولون.. ثم لم ألبث أن رأيت الثورة تشب في غير موطن من هذه المواطن القريبة والبعيدة.. ولم ألبث أن رأيت بعضها يبلغ ما كان يريد بعد جهاد يعنُف حينًا ولا يبلغ العنف حينًا آخر"٤.

ثم ينتقل بعد ذلك مباشرة إلى تحليل حالات خبرية ملازمة لنبأ الثورة المصرية, ومقابلتها بثورات الشعوب في آسيا وإفريقيا، مبتدئًا بالشعوب العربية في شمال إفريقيا مركزًا على قضية الجزائر. يقول:

"فهذه الأوطان في شمال إفريقيا تجاهد أعنف الجهاد وأقصاه, وتصلى نار العدوان والطغيان والأثم ... وتنتهي إلى أن تبلغ الغاية التي أرادت أن تبلغها, فتستقلّ تونس ويستقلّ المغرب الأقصى بعد خطوب.. أي خطوب.. وتوشك الجزائر أن تبلغ ما تريد من الاستقلال.. على رغم ما تمعن فيه فرنسا من المداورة. وعلى رغم ما تمعن فيه فرنسا أيضًا من ألوان الظلم والبغي ومن


١، ٢، ٣، ٤ المرجع نفسه.

<<  <   >  >>