للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضروب تعذيب الأبرياء. "وها نحن أولًا نرى في هذه الأيام تتابع الأنباء التي تحدثنا باستقلال المستعمرات الفرنسية بعد أن ورطت فرنسا نفسها في تلك الشركة التي زعمت أنها ستنشئها بينها وبين مستعمراتها, فتفنى بذلك الثورة في تلك المستعمرات.. تعطيها القليل وتستأثر من دونها بالكثير.. تخيل إليها أنها حرة في حياتها الداخلية, وأن حياتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية شركة بينها وبين فرنسا.. ولقد غلا رئيس الجمهورية الفرنسية في يوم من الأيام, فأعلن إلى هذه المستعمرات أنها حرة في أن تقبل هذه الشركة فتشرف بالتعاون مع فرنسا الكبرى, أو ترفض هذه الشركة فتشقى باستقلالها؛ لأنها لا تملك الوسائل التي تتيح لها حماية هذا الاستقلال. أعلن ذلك رئيس الجمهورية الفرنسية مطمئنًا إلى أن المستعمرات ستحرص أشد الحرص على أن تقبل الشركة, وتعيش مستقلة استقلالًا داخليًّا, وتشرف بالمشاركة فيما عدا ذلك من الشئون. ولكن بعض هذه المستعمرات آثرت الاستقلال فورًا, فاضطرت فرنسا إلى أن تعترف لها بهذا الاستقلال.. وقبلت كثرة المستعمرات هذه الشركة أولًا, ثم لم تلبث إلّا عامًا وبعض عام حتى طلبت استقلالها كاملًا موفورًا"١.

ثم يستعرض أنباء هذه المستعمرات التي طلبت الاستقلال، ليستخلص هذه الدلالة: "وكذلك تفقد فرنسا كل مستعمراتها في هذه القارة الإفريقية.. ويضطر كاتب فرنسي إلى أن يسجِّل في إحدى الصحف الفرنسية الكبرى أن رئيس الجمهورية القائم قد نهض بالرياسة ليبقى على الإمبراطورية.. ويرد فرنسا دولة من الطبقة الثانية.

"ولا يقف الأمر عند فرنسا وحدها.. فبريطانيا نفسها تتخلى عن بعض مستعمراتها في هذه القارة الإفريقية طوعًا أو كرهًا.. وبلجيكا تعلن استقلال الكونجو البلجيكي بعد خطوب شداد. وللكونجو البلجيكي قصة لم تنته بعد.. يظهر القراء على أنبائها في الصحف كل يوم.."٢.

ومن دلالات هذه الأنباء يذهب طه حسين إلى أن "الصورة الجغرافية لهذه القارة -تتغير, ويتعلم طلاب المدارس الثانوية شيئًا جديدًا في جغرافيا القارة الإفريقية. يتعلم هؤلاء الطلاب شيئًا ليتعلمه إخوانهم الذين سبقوهم في هذا العام.. وهو أن القارة الإفريقية قد تحرر أكثرها, ونشأت فيها دول لم تكن موجودة أثناء هذه السنة الدراسية, وستكون موجودة عاملة في الحياة الإنسانية أثناء العام الدراسي المقبل.

"وحين نحتفل بعيد الثورة في هذا العام سنضطر إلى أن نذكر أن ثورتنا


١، ٢ المرجع نفسه.

<<  <   >  >>