للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذلال الشعب السوري نفسه, إذا تعرَّض المتمردون لخطر خارجي أو داخلي"١.

والدلالة المستخلصة من الحالة الخبرية المتعلقة بتحويل مجرى الأردن في غيبةٍ من الوحدة العربية، وانشغال الجيش السوري بتمرده, تتيح لإسرائيل قوة إلى قوة, وأمنًا إلى أمن"٢ ذلك أن الاستعمار يرحب بهذا التمرد ويشجع الانفصال؛ لأنه إنما "يهمه أن تشقى الشعوب العربية, وأن تظهر حاجتها إلى معونة الاستعمار, وأن يمكَّن هذا كله للمستعمرين العودة إلى الأوطان العربية"٣, ويخلص طه حسين من ذلك إلى أن هذا كله "دليل على أن تمرُّد المتمردين في سوريا لم يضعه المتمردون وحدهم, ولم يضعه أعوانهم من العرب وحدهم, وإنما شاركهم فيه المستعمرون بما لهم, وتحريضهم وتأييدهم"٤.

كما يخلص من دلالات الحالات الخبرية التي يستند إليها إلى أن "نقضهم للوحدة دون استفتاء للشعب السوري, ودون إيذان لمصر قد عرَّض سورية للخطر, وجرَّأ عليها إسرائيل, فاعتدت على أرضها. كيف يجادلون في هذا وهم يرون ويستمعون، أم تراهم يرضون عن هذا ويطمئنون إليه, ويؤثرون الألفة مع شعب عربي مثلهم, ويسخرون من اللاجئين المشرَّدين, ويستهزئون بالعرب الذين يضطهدون في وطنهم, وتصب عليهم المحن في بلادهم, ولا يكرهون أن يطمع فيهم غير إسرائيل, ولا يكرهون أن يتسلط عليهم الاستعمار فيسيرهم كما يشاء, ويصرِّفُ أمرهم كما يجب, لا لشيء إلّا لأنهم يستأثرون بمظاهر الحكم, ولن يكونوا من حقائق الحكم في شيء حين تمتد إليهم أيدي المستعمرين, ولكن المثل لا يكذب حين يقول: إذا لم تستح فاصنع ما شئت"٥.

وهنا نجد حرص المقال التحليلي عند طه حسين على أن يتوسّل بقواعد هداية الذهن عند ديكارت٦، وهي القواعد التي تميِّز التحليل الصحفي بوضوح الأفكار وتميزها، لضمان سلامة التحليل القائم على الشك المنهجي في فحص الحالات الخبرية السابقة والملائمة والمتصلة الوجود، الأمر الذي يتيح للمقال التحليلي أن يكتشف بعض الدلالات التي لا تحتمل الشك، وهي نفسها الدلالات التي يحتاج إلى التحليل الصحفي، كما أن المجهود المبذول في التشكك في هذه الدلالات يضمن للكاتب إقناع القراء بسلامة القضايا الخبرية التي يتخذها كأساس لمقاله.


١ المرجع نفسه.
٢، ٣، ٤، ٥ المرجع نفسه.
٦ اسم الكتاب باللاتينية
regulae ad oirctionem ingeni.

<<  <   >  >>