للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلال نسق منطقي يبيِّنُ في كل خطوة كيف تعتمد الدلالة الأكثر تعقيدًا على الدلالة التي هي أبسط منها, والتي تعلوها مباشرة، وفي المقال المتقدِّم، نجد أن الدلالة التي يستخلصها طه حسين من مقابلة الزوايا الخبرية المنتقاة بالحالات الخبرية العامة المتصلة الوجود، هي أن "التبعة الكبرى" الناجمة عن الانفصال "يحتملها أولئك المتمردون في دمشق, والذين أيدوهم بالجاه, والذين أمدوهم بالمال, والذين ناصروهم جهرة من خارج سوريا وداخلها. يحتملها هؤلاء جميعًا لأنهم تعاونوا أولًا وأعانوا المستعمرين بعد ذلك على تفريق الكلمة, وإطماع العدو, وإغراء المتربصين بما كانوا يتمنونه ولا يستطيعون أن يحققوه. يحتملها هؤلاء جميعًا, وإن كانت ضمائرهم لا تحفل بالتبعات, ولا تهتم إلا لتحقيق المنافع العاجلة, والمآرب الخاصَّة غير معنية بوحدة العرب ولا بمنافعهم, ولا بما يكفل لهم الحياة الكريمة والعزة في بلادهم"١.

وهذه الدلالة العامة تمثل خلاصة الدلالات الجديدة التي استخلصها الكاتب من النتائج المترتبة على مواجهة الخبر الذي يتناوله بأيّ من الحالات الخبرية المقابلة المتصلة الوجود:

"هذه الأنباء التي تتحدث بها الإذاعات, وتنشرها الصحف, ويخفق بها البرق من أقطار الأرض, بأن لعبة الاستعمار في فلسطين قد أخذت تحوّل مجرى نهر الأردن, أقدمت على ذلك مطمئنة آمنة راضية النفس. ممدودة الأمل إلى المستقبل البعيد، لأنها بعد أن تفرقت كلمة العرب, واطمأنت بعد أن انتشر القلق حتى شمل الشعوب العربية كلها, وأحست القوة واليأس بعد أن أذن لها, أو أغراها أولئك الذين كانوا يحولون بينها وبين أمنها العزيز عليها, بأن تنعم على حساب البائسين, وتسعد على حساب الأشقياء, وتهين الكرامة العربية غير حاسبة لأحد حسابًا, وغير راجية لأحد وقارًا.

"ما أكثر ما تحدث العرب بأن مجرى الأردن مقدَّس لا يمسه إلّا الذين يعرضون أنفسهم لأعظم الكوارث وأقساها, وما أكثر ما أنذر العرب بالحرب التي لا هوادة فيها إذا جرأت ألعوبة الاستعمار على أن تتعرض لمجرى هذا النهر, وعلى رغم هذا كله أخذت ألعوبة الاستعمار تعبث بهذا المجرى الذي كان مقدسًا أمس, وأصبح اليوم نهبًا مباحًا لإسرائيل، تعبث به كيف شاءت, وتغيره كما أرادت.

"والعناصر المتحكمة في الجيش السوري مشغولة بالسياسة, حريصة على أن تحمي تمردها بحرب الشعب السوري؛ ليبقى الحكم في يدها, ولتنعم بتأييد الذين يؤيدونها بالجاه, ويمدونها بالمال, ويتهيأون لحرب الوطن السوري نفسه


١ المرجع نفسه.

<<  <   >  >>