واحد: عيد قديم بَعُدَ به العهد, وهو عيد وفاء النيل، وعيد حديث قَرُبَ به العهد, وهو عيد الاستقلال".
"ففي مثل هذا اليوم من سنة ١٩٣٦ أمضى المصريون، وكانوا يومئذ مجتمعي الكلمة, موحدي الرأي، هذه المعاهدة التي تنظم الأمر بيننا وبين حلفائنا الإنجليز، ثم عادوا فقرروا أن هذا اليوم سيصبح عيدًا وطنيًّا يذكر فيه المصريون خطوة خطيرة خَطَوْهَا في سبيل الاستقلال"١. ويتخذ من المقابلة بين النبأين وسيلة لتقويم حركة الأحداث:
"وفي النيل فيجب أن يسعد المصريون، وفي الحلفاء فيجب أن يسعد المصريون وهم سعداء، ألا ترى إلى الحكومة قد قررت إراحة الوزارات والمصالح من العمل في هذا العيد السعيد، فأباحت للموظفين أن يناموا حتى يرتفع الضحى، وأن يستيقظوا آمنين لا يشفقون من الانتقال إلى دواوينهم مع صعوبة الانتقال، ولا من هذه الأعمال الشاقة المرهقة التي ينهضون بها في مكاتبهم، وأذنت لهم بأن يقيموا في بيوتهم إن يشاءوا, ويختلفوا إلى أنديتهم وقهواتهم أن أحبوا، يلقى بعضهم بعضًا باسمًا، ويلقي بعضهم إلى بعض ألوان الحديث، يتندرون بما تنشر الصحف من أخبارهم، وأخبار نظرائهم، ويتحدثون بما تنشر الصحف من ضروب الخصام والصراع بين المصريين، ويتفكَّهون بما تنشر الصحف المضحكة من ألوان الفكاهة وفنون الصور وصنوف الإشاعات, ويجدون في هذا كله اللذة كل اللذة، والنعيم كل النعيم. ومتى تلتمس اللذة إذا لم تُلتمس في يوم العيد، ومتى يُطلب النعيم إذا لم يُطلب يوم فاء النيل بالري والثراء, ويوم وفاء الحلفاء بالكرامة والاستقلال"٢.
ويتوسّل بأدوات السخرية في التقويم القائم على المقابلة بين المثال والواقع:
"فهم من أجل هذا كله يحتفلون بوفاء الحلفاء, كما يحتفلون بوفاء النيل. يوم من الأيام يمر وتتبعه أيام أخرى ليست خيرًا منه, وعسى ألا تكون شرًّا منه, نعيم قد قسم للقلة, وبؤس قد فرض على الكثرة، وسلطان قد أتيح للقلة، وخضوع قد فرض على الكثرة, ومصالح الحكومة ودواوينها معطلة، والموظفون يستريحون في الدور, ويقطعون الوقت في الأندية، والشمس تشرق باسمة ساخرة, والليل يقبل عابسًا مزدريًا، والأعلام تخفف، والشعب يعمل، والمتنبي وأمثاله يرسمون على ثغورهم هذه الابتسامة الحزينة الكئيبة المرة, ويسألون في صوت ساخر حزين:
عيد بأية حال عدت يا عيد ... بما مضى أم الأمر فيك تجديد١