غالبًا من الكفاية بحيث نستطيع فهمها كلها في حدس واحد، وهي حالة يجب علينا أن نكتفي فيها بيقين هذه العملية. كما أننا لا نستطيع بنظرة واحدة أن نميز جميع الحلقات التي تشتمل عليها سلسلة أطول مما ينبغي، ولكننا إذا لحظنا مع ذلك ارتباط كل حلقة بالحلقة السابقة عليها والحلقة اللاحقة لها, فإن هذا سيكون كافيًا لكي نقول: إننا رأينا كيف تتصل الحلقة الأخيرة بالحلقة الأولى"١.
وقد سبق فيما تقدَّمَ أن تعرَّفْنَا على توسُّل طه حسين بهذا الأسلوب الاستقرائي في التحليل الصحفي، وتبيَّن أن هذا الأسلوب يتيح للتحليل وضوحه وتميزه، عندما يذهب المقال التحليلي إلى البرهنة على قضايا معينة، فإنه يبرهن عليها ببعض الأنباء لكي ينتهي من طريق الاستقراء إلى نتيجة أو دلالة معينة، تخص كل الأنباء الأخرى.
كما تبيَّنَ أن المقال التحليلي, أو التقويم الصحفي, يقوم على أسلوب منهجي، وليس هذا لأن بحث كل شيء في ترتيب ليس خير واقٍ من الأخطاء فحسب، ولكن أيضًا لأنه يحدث أحيانًا أنه إذا كان من الضروري دراسة كلٍّ من الأنباء المتعلقة بالهدف الذي يسعى إليه المقال، كلًّا على حدة، فإن حياة أي صحيفة لن تكفي لذلك، إما لأنَّ هذه الأنباء كثيرة التعدد, وإما لأنَّ نفس الأنباء تعود غالبًا تحت بصرنا من جديد, ولكننا لو وضعنا هذه الأشياء أو الأنباء في نظام جيِّد لكي يمكن ردها في معظم الأحيان إلى أنواع محددة, فإنه سيكفينا -كما يقول ديكارت٢ أن نختبر بدقة نوعًا واحدًا من هذه الأنواع وشيئًا معينًا من كل هذه الأنواع, أو بعض الأنواع دون بعضها الآخر، وسنضمن على الأقلِّ أننا نمر على شيء واحد مرتين بلا فائدة, وسيسدي لنا هذا المنهج مساعدة يكون من شأنها أن تجعلنا نقوم بلا عناء وفي وقت قصير بعدد كبير من التحليلات الصحفية التي تبدو لنا واسعة للوهلة الأولى.
ومن أثر هذا المنهج في مقال طه حسين -كما تقَدَّمَ- اتساع التحليل ليواجه النبأ الجديد بأنباء أخرى داخل سياق حركة الأحداث عمومًا في أكثر من اتجاه، فقد يُقَابَل النبأ الجديد بمعلومات وأنباء تنتمي إلى نفس القضية، أو مقابلة الأنباء الخاصة بقضية معينة بأنباء ومعلومات تُخْفِي قضايا أخرى ملازمة لها زمنيًّا، أي: مقابلة "النمط الخبري" الذي ينطوي عليه النبأ الجديد، بأنماط خبرية مشابهة له، أو متعارضة معه، أو تثير مقابلتها له مفارقات معينة تساعد في استخلاص دلالات معينة، ذلك أن المقال التحليلي أو التقويمي في صحافة طه حسين يدرك أنه يدور في الحياة السياسية "وما تستتبعه من