للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"لا يكاد يلقيه أحد على أحد؛ لأن جوابه مرسوم في القلوب, ماثل أمام العيون, يحسه الناس جميعًا، ويشعر به الناس جميعًا, لا يختلفون فيه إلّا أن يكونوا صحفيين تدفعهم الضرورات الصحفية إلى أن يكتبوا فصلًا من الفصول.

"وهذا السؤال متصل بالمندوب السامي الذي أٌقْصِيَ عن مصر منذ أيام: أَنَجَحَ هذا المندوب في مهمته التي أقام لها في مصر أعوامًا أربعة، أم قضى الله عليه بالفشل والإخفاق؟

"الق هذا السؤال على مَنْ شئت من المصريين, فسيجيبك في غير تردد ولا اضطراب إلّا أن يكون صحفيًّا تلزمه الضرورات أن يكتب فصلًا من الفصول, أو تضطره ظروفه السياسية الخاصة إلى أن يرى لنفسه رأيًا يؤمن به, وللناس رأيًا آخر يعيش منه، سيجيبك هذا المصري بأن المندوب السامي المنقول لم يظفر بقليل ولا كثير من النجاح.

"فنجاح المندوب السامي في مصر ينظر إليه فيما يظهر من وجهين اثنين لا ثالث لهما، أحدهما مصري والآخر إنجليزي، فهو ينجح عند المصريين إذا استطاع أن يزيل ما بين مصر وإنجلترا من أسباب الخلاف والخصومة, ويقرِّب بينهما من آماد هذا الخلاف وهذه الخصومة، فيقضي على ما يثور في نفوس المصريين من عواطف السخط على الإنجليز, والتنكر لهم وسوء الظن بهم، أو يخفف من هذه العواطف لما يثير في النفوس بسيرته من أن الإنجليز ليسوا من الظلم والعسف، وليسوا من الاعتداء والطغيان؛ بحيث كان الناس يظنون, وإنما السلم والصلات التي تقوم على المودة والاحترام لا على القوة والبأس, ولا على هم أنصار العدل والداعون إليه، وحماة الإنصاف والحريصون عليه، وأصحاب البطش والعدوان"١.

ويستمر في تحليل اتجهات الرأي العام المصري إزاء نبأ نقل المندوب السامي في مقابل تحليل اتجاهات رأي الإنجليز، لينتهي إلى دلالة تَنُمُّ عن قربه من الرأي العام المصري في ذلك الوقت:

"فلم يبلغ سوء ظن المصريين بالإنجليز في يوم من الأيام ما بلغه الآن، لا نستثني من ذلك إلا أيام الثورة حين كانت الدماء تسفك, والنفوس تزهق بأيدي الإنجليز"٢.

على أن الاتجاه نحو القراء في المقال التحليلي عند طه حسين، يتميز بالتحليل


١، ٢ كوب الشرق في ١٨ أغسطس ١٩٣٣.

<<  <   >  >>