للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتقويم من حيث إن هذا المقال يذهب إلى أن يكون "توقعيًّا" و"تفسيريًّا" و"تعبيريًّا" في معظم الأحوال.

والمقصود بالتحليل التوقعي: أن المقال ينظر إلى الأمام ليستكشف الدلالات المستقبلة، في ضوء الحركة العامَّة للأحداث، بحيث يوحي للقارئ بأنه ينطلق من "موضوع اليوم"١. أو "حديث المساء", كما يحب طه حسين أن يكون عنوان مقاله الثابت.

والمقصود بالمقال التفسيري: أن التحليل يستقرئ الأنباء، "ويغوص في أعماقها"٢ ليفسِّر المغزى أو الدلالة التي تكْمُن فيها.

إن المقال التحليل بصفة خاصة, والمقال الصحفي بصفة عامة في أدب طه حسين، يتجه إلى ذهن القارئ أكثر مما يتجه نحو عواطفه، ذلك أن هذا النمط المقالي يسعى أساسًا إلى إرضاء رغبة القارئ في الإعلام٣, وتقتضي هذه الرغبة بالضرورة أن يكون المقال "تعبيريًّا" يساعد القارئ على التفكير الأكثر وضوحًا في المسائل والمشكلات التي تقع في نطاق اهتمامه العام٤. وقد سبق أن تعرَّفْنَا على إغناء الأسلوب الاستقرائي لحاجات التميز والوضوح في مقال طه حسين، الأمر الذي يتيح لمقاله اتصالًا ناجحًا بجمهور قرائه، يستحوذ على اهتمامهم، ويثير لديهم الرغبة في التفكير، ويتيح لهم إمكانية ذلك.

وصفوة القول: إن الرؤيا المنهجية السليمة تتيح للمقال أن يتصل اتصالًا فعَّالًا بحوافز الاهتمام عند القراء. ذلك أن ترتيب الحقائق والوقائع والآراء والشواهد التي ينتظمها التحرير المقالي تنظِّمُ المادة المنتقاة تنظيمًا يؤكد النقاط التي يُعْنَى بها القارئ في حدود المقال الصحفي٥ كما تبيَّن مما تَقَدَّمَ، ومن تنظيم المقال الرئيسي بصفة عامة.

ومن ذلك على سبيل التمثيل أن طه حسين حين يعالج موضوع "افتتاح البرلمان" في عام ١٩٤٧، والذي سبق "عيد الجهاد وعيد الهجرة"٦، ويعرض لخطبة "العرش التي ألقاها رئيس الوزراء في البرلمان"٧، يربط ذلك كله بالجوانب المحلية التي كانت تشغل القراء المصريين في ذلك العام، ذلك أن المواطنين في "أثناء هذا كله كانوا يموتون مئات، ويمرضون مئات، يتخطَّفَهُم هذا الموت الطارئ، ويصرعهم هذا الموت الطارئ، ومن حولهم ألوف وألوف


١، ٢، ٣ Georgf fo mott and others, New Survey of Journalism, p. ٢٨٩-٢٩٠.
٤ المرجع السابق.
٥ M. Lyle Spencer: op. cit., p. ٩١.
٦، ٧ البلاغ في ١٧ نوفمبر ١٩٤٧.

<<  <   >  >>