للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليها من الغرب، متأثرة في ذلك بالاتجاهات القومية التي سادت في أوربا في القرن الماضي١, وقد اختلطت الفكرتان اختلاطًا شديدًا منذ البداية، فقد أصرَّ الطهطاوي على وجود ولائين: الأول تجاه مَنْ يدينون بالدين الواحد، والآخر تجاه المواطنين، كما في دولة الفقهاء الإسلامية المثلى٢, لكن فكرة "الوطن" الفرنسية كانت قد انتصرت في مصر بعد وفاته، في رحلة البحث الحديث عن الوطن المصري، وكان من مظاهر انتشارها إنشاء إحدى الصحف الكبرى الأولى في سنة ١٨٧٧ باسم "الوطن", وعندما وضع حسين المرصفي كتيبًا في ١٨٨٩، لشرح "بعض المفردات الشائعة على ألسنة الناس" أدخل كلمات: "الوطن" و"الأمة" في عداد تلك المفردات؛ كالحرية والعدالة والظلم والسياسة والحكومة والتربية، حسب مفاهيم عصره، فالأمة مثلًا، في مفهومه معنًى أوسع بكثير من المعنى الديني٣, ومن ذلك ما أخذه الأستاذ الإمام على عرابي من "جهلٍ لحقيقة معنى الكلمات التي كان يستعملها"٤ ويتجلى خلال تلك الفترة التي لعبت فيها الصحافة التوجيهية دورًا مهمًّا في الحياة السياسية المصرية، وبرزت "شخصية الصحفي السياسي كشخصية رئيسية في العصر الحديث، وهو الذي عُنِيَ خصوصًا لا بنشر الآراء فحسب, بل بمهارته في استعمال اللغة، بإثارة المشاعر الجيَّاشة"٥.

على أن مفهوم القومية المصرية لم ينفصل تمامًا عن الجامعة الإسلامية، إلّا بعد الحرب الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية, ثم سقوط الخلافة بعد ذلك، ذلك أن هذا الانفصال لم يتم إلّا تدريجيًّا بعد أن أخذت معالمه تنمو وتتضح منذ بداية القرن العشرين٦.

ومن ذلك تبين أن العلاقة بين الصحافة والرأي العام، قد لعبت دورًا أساسيًّا في تحديد مفهوم القومية المصرية، فلم تظهر "الأحزاب السياسية المنظمة"٧ إلّا من دور الصحف كتجسيدٍ ماديٍّ لآرائها التي كانت تدافع عن قضية البلاد٨؛ فتأسَّسَ الحزب الوطني ليُجَسِّدَ آراء واتجاهات صحيفة


١ المرجع نفسه ص٦٠، ٥١.
٢ المرجع السابق ص٦٠، ٥١.
٣ ألبرت حوراني: مرجع سابق ص٢٣٥.
٤ حسين والمرصفي الكليم الثمان ١٨٦٩ ص٢.
٥ ألبرت حوراني: مرجع سابق ص٢٣٦.
٦ م. محمد حسين: مرجع سابق ص٦٣-٦٤.
٧ ألبرت حوراني: نفس المرجع ص٢٤٤.
٨ الدكتور إبراهيم إمام: دراسات في الفن الصحفي ص٢٢، ١٧٤.

<<  <   >  >>