للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ولكن هذا الإخاء في الشعور بقي مكتومًا في النفوس لم يجد سبيلًا يخرج منه فلم يبرز بروزًا واضحًا حتى يراه كل إنسان".

ولم يلبث هذا الشعور العام بالإضافة إلى تخفيف شدة الرقابة تنفيذًا لتوصية دوفرين، أن ظهرت آثار ذلك جميعًا في ازدهار المقال الصحفي وارتباطه بالرأي العام، الذي غدا بدوره ظاهرة لفتت كُتَّاب المقال وعُنُوا بتعميقه وتطويره، وذهب لطفي السيد إلى أن "الرأي العام للأمة إذا لم يكن منطبقًا على الحق والعدل في ذاتهما, فإنه على الأقل منطبق على الحق والعدل على الوجه الذي به تفهمها الأمة وتحتملها"١. ذلك أن الرأي العام في مصر منذ عصر إسماعيل قد ضعف "لحداثة سنه من جهة، ولقوة الحكومة الظالمة من جهة أخرى, إلَّا أن ضعفه لم يمنعه من النموِّ والارتقاء يومًا فيومًا، تبعًا لقواعد الرقي التدريجي, فكانت كل حادثة من الحوادث السياسية، من شأنها أن تقوي ساعده وتَشُدُّ عضده للبقاء، حتى صار اليوم على ما نراه عليه"٢ فالمصريون من يوم أن بدأوا التعليم على الطريقة الغربية، أخذوا يطمعون في حكومة دستورية متمدنة، وأخذوا يتذمرون سرًّا من احتكار الشراكسة للوظائف العسكرية، حتى بلغ الرأي العام أشده إبَّان الثورة العرابية التي انتهزها الإنجليز سببًا لاحتلال مصر٣.

أما ظهور هذا الرأي العام ظهورًا جليًّا أمام أعين الأوربيين، فإنه لم يبتدئ إلا مع حرية الصحافة المصرية، التي لم تنتشر إلّا في عهد الاحتلال، وصار انتشارها أعمّ في أزمنة سياسة الخلاف بين القصر والإنجليز. وينكر لطفي السيد أن الصحافة المصرية خلقت رأيًا عامًّا كاذبًا، كما يزعم كرومر٤. "فماذا كان ذنب هذه الصحافة المصرية، التي هي البقية الباقية للمصريين من ميراث الحرية الذي ورثوه عن أبويهم: آدم وحواء؟ "٥.

على أن اتجاهات الرأي العام في تلك الفترة تصبغ الوطنية بصبغتين متميزتين مختلفتين، إحداهما تتجه إلى الجامعة الإسلامية٦ وتتمسك بالرابطة العثمانية٧, والثانية تتجه إلى ما عُرِفَ حينذاك بالجامعة المصرية وهو الاصطلاح السائد في ذلك الوقت للتعبير عن القومية المصرية٨، وكانت فكرة ناتئة لم تتبلور بعد في الأذهان٩ انتقلت إلى مصر مع ما انتقل


١، ٢، ٣ أحمد لطفي السيد "الرأي العام", الجريدة في ١١ يولية ١٩٠٨ المنتخبات جـ١ ص٢٨ وما بعدها.
٤، ٥ المرجع نفسه.
٦ الجريدة في أول سبتمبر ١٩٢١, المنتخبات جـ١ ص٣٠٨.
٧، ٨، ٩ م. محمد حسين: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر المقدمة جـ, عَرَّبَتْ المقطم عبارة Nationalism في تقرير كرومر ١٩٠٦ بعبارة الجامعة الوطنية المصرية, واستعملها لطفي السيد في كل كتاباته.

<<  <   >  >>