للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الشرق الأدنى، أو السلطان العثماني. وأعتقد أيضًا أن مصر أمة واحدة، لكنها جزء من عالم أكبر, لا بل من عدة عوالم: العثماني والمسلم والشرقي، كما أعتقد أنه عليها أن تؤدي علاقاتها مع كلٍّ من هذه العوالم الثلاثة١.

وقد نشر هذه الأفكار خطابة وكتابة، فكان خطيبًا مفوهًا وصفيًّا ناجحًا, ويعزى إليه الفضل في إنشاء ثاني صحيفة مصرية في سنة ١٩٠٠ هي صحيفة "اللواء", بعد أن كان السيد علي يوسف قد أنشأ "المؤيد" في ١٨٨٩، حين كانت معظم الصحف بأيدي السوريين٢, كما أصدر اللواء في طبعتين: إنجليزية وفرنسية, وأكسبته أفكاره وبلاغته وصحفه نفوذًا لدى الشباب المثقَّف، على أن ما أكسبه النفوذ السياسي المباشِر هو تأييد الخديو له وصلته به٣, ذلك أن عباس حلمي بخلاف سلفه توفيق الذي حماه الإنجليز من الثورة وثبَّتوا عرشه، فكان عن ضرورة وعن ضعف، آلةً طيعةً في يد كرومر، أما عباس فكان شابًّا يكره الائتمار بأوامر رجل مسنٍّ، ويرغب في أن يحكم بنفسه, ولكنَّ انجلترا تذرَّعت بصغر سنه ونادت صحفها٤ بأن ارتقاء الخديو الشاب عرش مصر يجعل بقاء الاحتلال أكثر ضرورة من أي وقت، فلا يجوز منذ الآن الكلام عن الجلاء", ووجد عباس في مصطفى كامل أداةً مفيدةً للحدِّ من سلطة كرومر، كما وجد فيه مصطفى كامل وسيلة لتحقيق غايته الوطنية، وظنَّ "كلٌّ منهما أنه يستخدم الآخر"٥ إلّا أن هذا التحالف أخذ يضعف تدريجيًّا ببروز نقاط الضعف في هذه السياسة. فانخذال فرنسا في فاشودة، في ١٨٩٨، والاتفاق الودي في ١٩٠٤، جعلا من الصعب التصديق أن بإمكان فرنسا دعم الوطنيين في مصر٦. فاتجه الخديو بعد سنة ١٩٠٤ في اتجاه التقرب من الإنجليز، إذ أصبح ذلك في الإمكان بعد عزل كرومر ومجيء جورست خلفًا له, وكان مصطفى كامل قد انتهى إلى الاعتقاد بأن اهتمام الخديو عباس بسلطته الخاصة كان أشد من اهتمامه باستقلال مصر٧.

على أن نمو طبقة الطلاب قد أتاح لمصطفى كامل مجالًا واسعًا للخطابة والكتابة، كما أن حادث دنشواي قد فجَّرَ الشعور بالمقاومة الوطنية, وترك "في الشعور العام تأثيرًا عميقًا"٨ على نحوٍ يصوره قاسم أمين أبلغ تصوير


١ألبرت حوراني: الفكر العربي في عصر النهضة ص٢٤٢، ٢٤٣.
٢، ٣ ألبرت حوراني: الفكر العربي في عصر النهضة ص٢٤٢، ٢٤٣.
٤ البول مول جازيت, عبد الرحمن الرافعي: مصطفى كامل ص٢١٤.
٥، ٦، ٧ ألبرت حوراني: المرجع السابق ص٢٤٣.
٨ المرجع نفسه ص٢٤٤, أحمد أمين: حياتي ص٧٩.

<<  <   >  >>