للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومهما يكن من شيء، فقد أصبح طه حسين كاتبًا في الصحف بفضل هذين الرجلين:

لطفي السيد والشيخ جاويش١, وأصبح كاتبًا لشيء آخر, وهو أنه أثناء الأعوام العشرة الأولى من كتابته في الصحف لم يكتب إلا حبًّا للكتابة ورغبة فيها لم يكسب بها "درهمًا ولا مليمًا"٢.

ولم يقف فضل الشيخ جاويش عند تعريف طه حسين إلى جماهير الناس ووقفه بين أيديهم منشدًا للشعر، كما كان يفعل الشعراء المعروفون وحافظ منهم, خاصة في بعض المناسبات العامة، وإنما "علَّمه الكتابة والتحرير في المجلات, فقد أنشأ مجلة "الهداية", وطلب إلى الفتى أن يشارك في تحريرها ثم ترك له أو كاد الإشراف على هذا التحرير، وكان له الفضل كل الفضل فيما تعلَّمَ الفتى من إعداد الصحف وتنسيق ما ينشر فيها من فصول, ولم تخل "الهداية" من جدال عنيف دُفِعَ إليه الفتى دفعًا, وكان خصمه الشيخ رشيد رضا, وقد أسرف الفتى على نفسه وعلى الشيخ رشيد في ذلك الجدال"٣.

ومن هذا النقد الذاتي لموقفه من بيئة التكوين، نجد أن طه حسين قد آثر خُطَّةَ لطفي السيد في الفكر والقصد، وهي الخطة التي تتضح من انضمامه لأسرة "السفور" التي تتألف من تلاميذ "الجريدة" بعد توقفها عن الصدور في الحرب الأولى، واستحال العمل الصحفي في ظل الأحكام العرفية، وقد ترك احتجابها في نفوسهم من الألم ما دفعهم إلى مواصلة رسالة التجديد في "السفور". يقول مصطفى عبد الرازق:

"استبشرنا بها راية يلتفُّ حولها الجوهر المصفَّى من شبابنا, وتسير في ظلها دعوة الحرية والتقدُّم بين جاه العلم والعقل وجاه العصبية.. كانت الجريدة قد تَفَرَّقَ عنها أصحابُها غافلين لاهين بمظاهر ألقابهم وأموالهم.. إن المرزوئين في الجريدة هم أهل الجد من فتياتها الذين كانت لهم صحيفة الأعيان مظهرًا لمذاهبهم الحرة وأفكارهم الجديدة، ولن يعدموا بإذن الله وسيلةً لنشر دعوتهم الصالحة في جرائد, إن كانت صغيرة ضعيفة فستمدها قوة الحق فتكبر وتقوى, أما بعد فإننا في هَمٍّ من موت الجريدة يشغلنا اليوم عن التقدير لجريمة من أماتوها وعاشوا بعدها".

وقد جاءت "السفور" امتدادًا للجريدة في اتجاهاتها التجديدية, ذلك أن "للسفور معنًى أشمل مما يتبادر إلى الذهن عند سماع هذه الكلمة"٤.


١، ٢، ٣ مذكرات طه حسين ص٣٨.
٤ السفور في ٢١ مايو ١٩١٥.

<<  <   >  >>